حاسر. فقال عبد الله: شر لك خير لي، فضربه بفأس في يده، فرأيت نورا ساطعا في السماء، فسقط ميتا. وكان يومه ذلك صائما، رحمه الله.
قال: فجعل مسلم يطوف على فرس له ومعه مروان بن الحكم على القتلى. فمر على عبد الله بن حنظلة، وهو ماد أصبعه السبابة. فقال مروان: أما والله لئن نصبتها ميتا فطالما نصبتها حيا، داعيا إلى الله. ومر على إبراهيم بن نعيم، ويده على فرجه، فقال: أما والله لئن حفظته في الممات لقد حفظته في الحياة. ومر علي محمد بن عمرو بن حزم وهو على وجهه واضعا جبهته بالأرض، فقال (1): أما والله لئن كنت على وجهك في الممات لطالما افترشته حيا ساجدا لله. فقال مسلم: والله ما أرى هؤلاء إلا من أهل الجنة. ومر على عبد الله بن زيد وبين عينيه أثر السجود، فلما نظر إليه مروان عرفه، وكره أن يعرفه لمسلم فيحز رأسه. فقال له مسلم: من هذا؟ فقال بعض هذه الموالي وجاوزه، فقال له مسلم: كلا، وبيت الله لقد نكبت عنه لشئ. فقال له مروان: هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن زيد. فقال: ذاك أخزى ناكث بيعته حزوا رأسه.
وكان قصر بني حارثة أمانا لمن أراد أهل الشام أن يؤمنوه، وكانوا بنو حارثة آمنين ما قتل منهم أحد، وكان كل من نادى باسم الأمان إلى أحد من قبيلة بني حارثة أمنوه رجلا كان أو امرأة ثم ذبوا عنه حتى يبلغوه قصر بني حارثة، فأجير يومئذ رجال كثير ونساء كثيرة، فلم يزالوا في قصر بني حارثة حتى انقضت الثلاث.
قال: وأول دور انتهبت والحرب قائمة دور بني عبد الأشهل، فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حلي ولا فراش إلا نقض صوفه، حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها، فدخلوا دار محمد بن مسلمة، فصاح النساء، فأقبل زيد بن محمد بن مسلمة إلى الصوت، فوجد عشرة ينهبون، فقاتلهم ومعه رجلان من أهله حتى قتل الشاميون جميعا، وخلصوا منهم ما أخذوه، فألقوا متاعهم في بئر لا ماء فيها، وأبقى عليها التراب، ثم أقبل نفر من أهل الشام، فقاتلوهم أيضا،