ذكر الاتفاق على الصلح وإرسال الحكمين قال: وذكروا أن معاوية قال لأصحابه حين استقامت المدة، ولم يسم الحكمان: من ترون عليا يختار؟ فأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص. قال عتبة بن أبي سفيان: أنت أعلم بعلي منا. فقال معاوية: إن لعلي خمسة رجال من ثقاته، منهم عدي بن حاتم، وعبد الله بن عباس، وقيس بن سعد، وشريح بن هانئ، والأحنف بن قيس، وأنا أصفهم لك: أما ابن عباس فإنه لا يقوى عليه، وأما عدي بن حاتم فيرد عمرا سائلا، ويسأله مجيبا، وأما شريح بن هانئ فلا يدع لعمرو حياضا، وأما الأحنف بن قيس فبديهته كرويته، وأما قيس بن سعد فلو كان من قريش بايعته العرب. ومع هذا إن الناس قد ملوا هذه الحرب، ولم يرضوا إلا رجلا له تقية، وكل هؤلاء لا تقية لهم، ولكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، تأمنه أهل الشام، وترضى به أهل العراق، فقال عتبة: ذلك أبو موسى الأشعري.
اختلاف أهل العراق في الحكمين قال: وذكروا أن عليا لما استقام رأيه على أن يرسل عبد الله بن عباس مع عمرو بن العاص، قام إليه الأشعث بن قيس، وشريح بن هانئ، وعدي بن حاتم، وقيس بن سعد، ومعهم أبو موسى الأشعري، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا أبو موسى الأشعري وافد أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب مغانم أبي بكر (1)، وعامل عمر بن الخطاب، وقد عرضنا على القوم ابن عباس فزعموا أنه قريب القرابة منك، ضنين في أمرك (2)، وأيم الله لو لقيت به عمرا لأخذ بصره، وغم صدره. ولكن الناس قد رضوا برجل يثق أهل العراق وأهل الشام بتقيته. فتكلم شبيب بن ربعي، فقال: إنا والله وإن خفنا على أبي موسى من عمرو ما لا يخافه أهل الشام على عمرو من أبي موسى، فلعل ما خفناه لا يضرنا، ولعل ما رجوا لا ينفعهم، فإن قلت في أبي موسى ضعف فضعفه وتقاه خير من قوة عمرو وفجوره، فأغلق به البلاء، وافتح به العافية. ثم