خطبة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: وذكروا أن البيعة لما تمت بالمدينة، خرج علي إلى المسجد الشريف، فصعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ووعد الناس من نفسه خيرا، وتألفهم جهده، ثم قال: لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال وولد عن عشيرته، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم. هم أعظم الناس حيطة من ورائه، وإليهم سعيه وأعطفهم عليه إن أصابته مصيبة، أو نزل به بعض مكاره الأمور ومن يقبض يده عن عشيرته فإنه يقبض عنهم يدا واحدة، وتقبض، عنه أيد كثيرة، ومن بسط يده بالمعروف ابتغاء وجه الله تعالى، يخلف الله له ما أنفق في دنياه، ويضاعف له في آخرته، واعلموا أن لسان صدق يجعله الله للمرء في الناس، خير له من المال، فلا يزدادن أحدكم كبرياء، ولا عظمة في نفسه، ولا يغفل أحدكم عن القرابة أن يصلها، بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه.
واعلموا أن الدنيا قد أدبرت، والآخرة قد أقبلت، ألا وإن المضمار (1) اليوم، والسبق (2) غدا. ألا وإن السبقة (3) الجنة. والغاية النار، ألا إن الأمل يشهي القلب، ويكذب الوعد، ويأتي بغفلة، ويورث حسرة فهو غرور، وصاحبه في عناء، فافزعوا إلى قوام دينكم، وإتمام صلاتكم، وأداء زكاتكم، والنصيحة لإمامكم، وتعلموا كتاب الله، واصدقوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم، وأدوا الأمانات إذا ائتمنتم وارغبوا في ثواب الله، وارهبوا عذابه، واعملوا الخير تجزوا خيرا يوم يفوز بالخير من قدم الخير.
اختلاف الزبير وطلحة على علي كرم الله وجهه قال: وذكروا أن الزبير وطلحة أتيا عليا بعد فراغ البيعة، فقالا: هل تدري على ما بايعناك يا أمير المؤمنين؟ قال علي: نعم، على السمع والطاعة، وعلى