كأني أسمع وقع رأسه على اللوح، حتى وضعوه في أدنى البقيع فأتاهم جبلة بن عمر الساعدي من الأنصار، فقال: لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله، ولا نترككم تصلون عليه، فقال أبو الجهم: انطلقوا بنا، إن لم نصل عليه فقد صلى الله عليه، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان، معها مصباح في حق، حتى إذا أتوا به حش كوكب (1) حفروا له حفرة، ثم قاموا يصلون عليه، وأمهم جبير بن مطعم (2)، ثم دلوه في حفرته، فلما رأته ابنته صاحت، فقال ابن الزبير: والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عينيك، فدفنوه، ولم يلحدوه بلبن، وحثوا عليه التراب حثوا.
بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكيف كانت قال: وذكروا أنه لما كان في الصباح اجتمع الناس في المسجد، وكثر الندم والتأسف على عثمان رحمه الله، وسقط في أيديهم، وأكثر الناس على طلحة والزبير واتهموهما بقتل عثمان، فقال الناس لهما: أيها الرجلان، قد وقعتما في أمر عثمان، فخليا عن أنفسكما، فقام طلحة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أيها الناس، إنا والله ما نقول اليوم إلا ما قلناه أمس، إن عثمان خلط الذنب بالتوبة. حتى كرهنا ولايته وكرهنا أن نقتله وسرنا أن نكفاه، وقد كثر فيه اللجاج، وأمره إلى الله، ثم قام الزبير فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الله قد رضي لكم الشورى، فأذهب بها الهوى، وقد تشاورنا فرضينا عليا فبايعوه، وأما قتل عثمان فإنا نقول فيه إن أمره إلى الله، وقد أحدث أحداثا والله وليه فيما كان، فقام الناس، فأتوا عليا في داره (3)، فقالوا: نبايعك، فمد يدك، لا بد من أمير، فأنت أحق بها، فقال: ليس ذلك إليكم، إنما هو لأهل الشورى وأهل بدر، فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة، فنجتمع وننظر في هذا الأمر فأبى أن يبايعهم، فانصرفوا عنه، وكلم بعضهم بعضا فقالوا: يمضي قتل عثمان في الآفاق والبلاد فيسمعون بقتله، ولا يسمعون أنه بويع لأحد بعده، فيثور كل رجل منهم في ناحية، فلا نأمن أن يكون في ذلك الفساد فارجعوا إلى علي، فلا