فقالا: وفقك الله وخار لك. ثم انصرفا عنها، فلما أعلماه بقولها تمثل وقال:
فإن يك صدر هذا اليوم ولى * فإن غدا لناظره قريب وتحدث الناس بالذي كان من طلاق عبد الله امرأته قبل أن يفرغ من طلبته، وقبل أن يوجب له الذي كان من بغيته، ولم يشكوا في غدر معاوية إياه.
فاستحث عبد الله بن سلام أبا هريرة وأبا الدرداء، وسألهما الفراغ من أمره، فأتياها. فقالا لها: قد أتيناك لما أنت صانعة في أمرك، وإن تستخيري الله يخر لك فيما تختارين فإنه يهدي من استهداه، ويعطي من اجتداه، وهو أقدر القادرين. قالت: الحمد الله أرجو أن يكون الله قد خار لي، فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه، وقد استبرأت أمره، وسألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي، مع اختلاف من استشرته فيه، فمنهم الناهي عنه، ومنهم الآمر به، واختلافهم أول ما كرهت من الله. فعلم عبد الله أنه خدع، فهلع ساعة واشتد عليه الهم. ثم انتبه فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقال متعزيا: ليس لأمر الله راد، ولا لما لا بد أن يكون منه صاد، أمور في علم الله سبقت، فجرت بها أسبابها، حتى امتلأت منها أقرابها، وإن امرؤ انثال له حلمه واجتمع له عقله، واستذله رأيه، ليس بدافع عن نفسه قدرا ولا كيدا، ولا انحرافا عنه ولا جيدا، ولآل ما سروا به واستجذلوا له لا يدوم لهم سروره، ولا يصرف عنهم محذوره.
قال: وذاع أمره في الناس وشاع، ونقلوه إلى الأمصار، وتحدثوا به في الأسمار، وفي الليل والنهار، وشاع في ذلك قولهم، وعظم لمعاوية عليه لومهم، وقالوا:
خدعه معاوية حتى طلق امرأته، وإنما أرادها لابنه، فبئس من استرعاه الله أمر عباده، ومكنه في بلاده، وأشركه في سلطانه، يطلب أمرا بخدعة من جعل الله إليه أمره، ويحيره ويصرعه جرأة على الله. فلما بلغ معاوية ذلك من قول الناس.
قال: لعمري ما خدعته. قال: فلما انقضت أقراؤها، وجه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد، فخرج حتى قدمها، وبها يومئذ الحسين بن عليه وهو سيد أهل العراق فقها ومالا وجودا وبذلا. فقال أبو الدرداء إذ قدم العراق: مما ينبغي لذي الحجا والمعرفة والتقى أن يبدأ به ويؤثره على مهم أمره، لما يلزمه حقه، ويجب عليه حفظه، وهذا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة، فلست بناظر في شئ قبل