ما وصى به الأحنف بن قيس أبا موسى قال: ثم جاء الأحنف بن قيس، فأخذ بيده، ثم قال: يا أبا موسى، اعرف خطب هذا الأمر، واعلم أن له ما بعده، وإنك إن ضيعت العراق، فلا عراق لك، فاتق الله، فإنك تجمع بذلك دنيا وأخرى، وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبادره بالسلام (1)، فليس من أهله، ولا تعطه يدك، فإنها أمانة، وإياك أن يقعدك على صدر الفراش، فإنها خدعة، ولا تلقه إلا وحده، وإياك أن يكلمك في بيت فيه مخدع يخبأ لك فيه رجالا (2)، وإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي، فخيره أن يختار أهل العراق من قريش أهل الشام من شاؤوا، فإنهم إن يولوا الخيار يختاروا من يريدون، فإن أبى فلتختر أهل الشام من قريش أهل العراق من شاؤوا، فإن فعلوا كان الأمر بيننا.
ما قال معاوية لعمرو قال: وذكروا أن معاوية قال لعمرو: إن أهل العراق أكرهوا عليا على أبي موسى، وأنا وأهل الشام راضون بك، وأرجو في دفع هذه الحرب خصالا: قوة لأهل الشام، وفرقة لأهل العراق، وإمدادا لأهل اليمن، وقد ضم إليك رجل طويل اللسان، قصير الرأي، وله على ذلك دين وفضل، فدعه يقل، فإذا هو قال فاصمت، واعلم أن حسن الرأي زيادة في العقل، إن خوفك العراق فخوفه بالشام، وإن خوفك مصر فخوفه باليمن، وإن خوفك عليا فخوفه بمعاوية، وإن أتاك بالجميل، فأته بالجميل. قال عمرو: يا أمير المؤمنين، أقلل الاهتمام بما قبلي، وارج الله تعالى فيما وجهتني له، إنك من أمرك على مثل حد السيف، لم تنل في حربك ما رجوت، ولم تأمن ما خفت، ونحن نرجو أن يصنع الله تعالى لك خيرا، وقد ذكرت لأبي موسى دينا، وإن الدين منصور، أرأيت إن ذكر عليا وجاءنا بالإسلام والهجرة واجتماع الناس عليه، ما أقول؟ فقال معاوية: قل ما تريد وترى. قال: فانصرف عمرو إلى منزله، فقال لأصحابه: هل ترون ما أراد معاوية من تصغير أبي موسى؟ قالوا: لا، قال: عرف أني خادعه غدا.