خروج علي من المدينة قال: وذكروا أن عليا تردد بالمدينة أربعة أشهر، ينتظر جواب معاوية، وقد كان كتب إليه كتابا بعد كتاب يمنيه ويعده أولا، ثم كتابا يخوفه ويتواعده فحبس معاوية جواب كتابه ثلاثة أشهر، ثم أتاه جوابه على غير ما يحب، فلما أتاه ذلك شخص من المدينة في تسعمائة راكب من وجوه المهاجرين والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعهم بشر كثير من أخلاط الناس، واستخلف على المدينة قثم بن عباس، وكان له فضل وعقل، وأمره أن يشخص إليه من أحب الشخوص، ولا يحمل أحدا على ما يكره، فخف الناس إلى علي بعده، ومضى معه من ولده الحسن والحسين ومحمد، فلما كان في بعض الطريق، أتاه كتاب أخيه عقيل بن أبي طالب، وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد يا أخي، كلاك الله، والله جائرك من كل سوء، وعاصمك من كل مكروه على كل حال، وإني خرجت معتمرا، فلقيت عائشة معها طلحة والزبير وذووهما، وهم متوجهون إلى البصرة، قد أظهروا الخلاف، ونكثوا البيعة، وركبوا عليك قتل عثمان، وتبعهم على ذلك كثير من الناس، من طغاتهم وأوباشهم، ثم مر عبد الله بن أبي سرح، في نحو من أربعين راكبا، من أبناء الطلقاء، من بني أمية، فقلت لهم وعرفت المنكر في وجوههم: أبمعاوية تلحقون؟ عداوة والله إنها منكم ظاهرة غير مستنكرة، تريدون بها إطفاء نور الله، وتغيير أمر الله. فأسمعني القوم وأسمعتهم ثم قدمت مكة، فسمعت أهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة واليمامة، فأصاب ما شاء من أموالهما، ثم انكفأ راجعا إلى الشام، فأف لحياة في زهو جرأ عليك الضحاك، وما الضحاك إلا فقع بقرقره (1) فظننت حين بلغني ذلك أن أنصارك خذلوك، فاكتب إلي يا بن أمي برأيك وأمرك، فإن كنت الموت تريد، تحملت إليك ببني أخيك، وولد أبيك، فعشنا ما عشت ومتنا معك إذا مت، فوالله ما أحب أن أبقى بعدك، فوالله الأعز الأجل إن عيشا أعيشه بعدك في الدنيا لغير هنئ، ولا مرئ، ولا نجيع، والسلام.
فكتب إليه علي كرم الله وجهه: أما بعد يا أخي، فكلاك الله كلاءة من