تقاتله إذا؟ قال: على دم عثمان، وعلى هذا الخاتم، الذي من جعله في يده جادت طينته، وأطعم عياله، وادخر لأهله. فضحك الثقفي ثم لحق بعلي، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي يدي بجرمي، لا دنيا أصبت ولا آخرة.
فضحك علي، ثم قال: أنت منها على رأس أمرك، وإنما يأخذ الله العباد بأحد الأمرين.
رفع أهل الشام المصاحف قال: وذكروا أن أهل العسكرين باتوا بشدة من الألم (1)، ونادى علي أصحابه، فأصبحوا على راياتهم ومصافهم، فلما رآهم معاوية وقد برزوا للقتال، قال لعمرو بن العاص: يا عمرو، ألم تزعم أنك ما وقعت في أمر قط إلا خرجت منه؟ قال: بلى، قال: أفلا تخرج مما ترى؟ قال: والله لأدعونهم إن شئت إلى أمر أفرق به جمعهم، ويزداد جمعك إليك اجتماعا، إن أعطوكه اختلفوا، وإن منعوكه اختلفوا. قال معاوية: وما ذلك؟ قال عمرو: تأمر بالمصاحف فترفع ثم تدعوهم إلى ما فيها، فوالله لئن قبله لتفترقن عنه جماعته، ولئن رده ليكفرنه أصحابه.
فدعا معاوية بالمصحف، ثم دعا رجلا من أصحابه يقال له ابن هند (2)، فنشره بين الصفين، ثم نادى: الله الله في دمائنا ودمائكم الباقية، بينا وبينكم كتاب الله. فلما سمع الناس ذلك ثاروا إلى علي، فقالوا: قد أعطاك معاوية الحق، ودعاك إلى كتاب الله، فأقبل منه. ورفع صاحب معاوية المصحف وهو يقول:
بيننا وبينكم هذا المصحف، ثم تلا: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) [آل عمران: 23]، ثم نادى من لفارس من الروم؟ فقال الأشعث: والله لا نأتي هذه أبدا، ونرضى معك، أو نقاتل معك وتابعه أشراف أهل اليمن، وركنوا إلى الصلح، وكرهوا القتال.