أستعين على شكره، وبه أعوذ من كيده ومكره. ثم بعثهما إليه خاطبين عليه، فلما قدما، قال لهما معاوية: قد تعلمان رضائي به وتنخلي إياه، وحرصي عليه، وقد كنت أعلنتكما بالذي جعلت لها في نفسها من الشورى، فادخلا إليها، وأعرضا عليها الذي رأيت لها، فدخلا عليها وأعلماها بالذي ارتضاه لها أبوها، لما رجا من ثواب الله عليه. فقالت لهما كالذي قال لها أبوها، فأعلماه بذلك، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا أمرها، فارق زوجته، وأشهدهما على طلاقها، وبعثهما خاطبين إليه أيضا، فخطبا، وأعلما معاوية بالذي كان من فراق عبد الله بن سلام امرأته، طلابا لما يرضيها، وخروجا عما يشجيها، فأظهر معاوية كراهية لفعله، وقال: ما أستحسن له طلاق امرأته، ولا أحببته، ولو صبر ولم يعجل لكان أمره إلى مصيره، فإن كون ما هو كائن لا بد منه، ولا محيص عنه، ولا خيرة فيه للعباد، والأقدار غالبة، وما سبق في علم الله لا بد جار فيه، فانصرفا في عافية، ثم تعودان إلينا فيه، وتأخذان إن شاء الله رضانا. ثم كتب إلى يزيد ابنه يعلمه بما كان من طلاق أرينب بنت إسحاق عبد الله بن سلام، فلما عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية أمرهما بالدخول عليها، وسؤالها عن رضاها تبريا من الأمر، ونظرا في القول والعذر، فيقول: لم يكن لي أن أكرهها، وقد جعلت لها الشورى في نفسها، فدخلا عليها، وأعلماها بالذي رضيه إن رضيت هي، وبطلاق عبد الله بن سلام امرأته أرينب، طلابا لمسرتها، وذكرا من فضله، وكمال مروءته، وكريم محتده، ما القول يقصر عن ذكره. فقالت لهما:
جف القلم بما هو كائن، وإنه في قريش لرفيع، غير أن الله عز وجل يتولى تدبير الأمور في خلقه، وتقسيمها بين عباده، حتى ينزلها منازلها فيهم، ويضعها على ما سبق في أقدارها. وليست تجري لأحد على ما يهوى، ولو كان لبلغ منها غاية ما شاء. وقد تعرفان أن التزويج هزله جد، وجده ندم، الندم عليه يدوم، والمعثور فيه لا يكاد يقوم، والأناة في الأمور أوفق لما يخاف فيها من المحذور، فإن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها، كان المرء بحسن العزاء خليقا، وبالصبر عليها حقيقا، وعلمت أن الله ولي التدابير. فلم تلم النفس على التقصير، وإني بالله أستعين، سائلة عنه، حتى أعرف دخيلة خبره، ويصح لي الذي أريد علمه من أمره ومستخيرة، وإن كنت أعلم أنه لا خيرة لأحد فيما هو كائن، ومعلمتكما بالذي يرينيه الله في أمره، ولا قوة إلا بالله.