عثمان، فكلموه فيها فقالوا: قد علمت أن هذه الأموال كلها لنا، وأن معاوية آثر علينا في عطائنا، ولم يعطنا قط درهما فما فوقه، حتى مضنا الزمان، ونالتنا المجاعة، فاشتراها منا بجزء من مئة من ثمنها، فأغلظ لهم عثمان في القول، واغلظوا له. فقال لهم: لأكتبن إلى أمير المؤمنين بسوء رأيكم، وما أنتم عليه من كمون الأضغان القديمة، والأحقاد التي لم تزل في صدوركم، فافترقوا على موجدة، ثم اجتمع رأيهم على منع ابن ميثاء القيم عليها، فكف عثمان بن محمد عنهم، وكتب بأمرهم إلى يزيد بن معاوية.
قال عبد الله بن جعفر: جاء كتاب عثمان بن محمد بعد هدأة من الليل، وقد كنت انصرفت من عند يزيد، فلم ألبث أن جاءني رسوله، فدخلت عليه، والشمعة بين يديه، وهو مغضب قد حسر عن ذراعيه، والكتاب بين يديه، فقال:
دونك يا أبا جعفر هذا الكتاب، فاقرأه، فرأيت كتابا قبيحا، فيه تعريض بأهل المدينة وتحريش. ثم قال: والله لأطأنهم وطأة آتي منها على أنفسهم. قال ابن جعفر: فقلت له: إن الله لم يزل يعرف أباك في الرفق خيرا، فإن رأيت أن ترفق بهم وتتجاوز عنهم فعلت، فإنما هم أهلك وعشيرتك، وإنما تقتل بهم نفسك إذا قتلتهم. قال: أقتل وأشفي نفسي، فلم أزل ألح عليه فيهم، وأرفقه عليهم، وكان لي سامعا ومطيعا، فقال لي: إن ابن الزبير حيث علمت من مكة، وهو زعم أنه قد نصب الحرب، فأنا أبعث إليه الجيوش، وآمر صاحب أول جيش أبعثه أن يتخذ المدينة طريقا، وأن لا يقاتل، فإن أقروا بالطاعة، ونزعوا عن غيهم وضلالهم، فلهم علي عهد الله وميثاقه، أن لهم عطاءين في كل عام، ما لا أفعله بأحد من الناس طول حياتي، عطاء في الشتاء، وعطاء في الصيف، ولهم علي عهد أن أجعل الحنطة عندهم كسعر الحنطة عندنا، والحنطة عندهم سبعة آصع (1) بدرهم، والعطاء الذي يذكرون أنه احتبس عنهم في زمان معاوية فهو علي أن أخرجه لهم وافرا كاملا، فإن أنابوا وقبلوا ذلك، جاوز إلى ابن الزبير، وإن أبوا قاتلهم، ثم إن ظفر بها أنهبها ثلاثا، هذا عهدي إلى صاحب جيشي لمكانك ولطلبتك فيهم، ولما زعمت أنهم قومي وعشيرتي. قال عبد الله بن جعفر: فرأيت هذا لهم فرجا، فرجعت إلى منزلي فكتبت إليهم من ليلتي كتابا