معاوية كتاب مروان عرف أن ذلك من قبله. فكتب إليه يأمره أن يعتزل عمله، ويخبره أنه قد ولى المدينة سعيد بن العاص (1)، فلما بلغ مروان كتاب معاوية، أقبل مغضبا في أهل بيته، وناس كثير من قومه، حتى نزل بأخواله بني كنانة، فشكا إليهم، وأخبرهم بالذي كان من رأيه في أمر معاوية، وفي عزله واستخلافه يزيد ابنه عن غير مشورة مبادرة له، فقالوا: نحن نبلك في يدك، وسيفك في قرابك فمن رميته بنا أصبناه، ومن ضربته بنا قطعناه، الرأي رأيك، ونحن طوع يمينك. ثم أقبل مروان في وفد منهم كثير، ممن كان معه من قومه وأهل بيته حتى نزل دمشق، فخرج فيهم حتى أتى سدة معاوية، وقد أذن للناس. فلما نظر الحاجب إلى كثرة من معه من قومه وأهل بيته، منعه من الدخول، فوثبوا إليه، فضربوا وجهه، حتى خلى عن الباب، ثم دخل مروان، ودخلوا معه، حتى إذا كان من معاوية بحيث تناله يده.
خطبة مروان بن الحكم بين يدي معاوية قال بعد التسليم عليه بالخلافة: إن الله عظيم خطره، لا يقدر قادر قدره، خلق من خلقه عبادا، جعلهم لدعائم دينه أوتادا، هم رقباؤه على البلاد، وخلفاؤه على العباد، أسفر بهم الظلم، وألف بهم الدين، وشدد بهم اليقين ومنح بهم الظفر، ووضع بهم من استكبر، فكان من قبلك من خلفائنا يعرفون ذلك في سالف زمامنا، وكنا نكون لهم على الطاعة إخوانا، وعلى من خالف عنها أعوانا، يشد بنا العضد، ويقام بنا الأود (2)، ونستشار في القضية، ونستأمر في أمر الرعية، وقد أصبحنا اليوم في أمور مستحيرة ذات وجوه مستديرة، تفتح بأزمة الضلال وتجلس بأهواء الرجال، يؤكل جزورها، وتمق أحلابها (3) فما لنا لا نستأمر في رضاعها، ونحن فطامها وأولات فطامها؟ (4) وأيم الله لولا عهود مؤكدة، ومواثيق معقدة لأقمت أود وليها، فأقم الأمر يا بن سفيان واهدئ (5) من