فلم يلبث علي حين قدم الكوفة، وأراد المسير إلى الشام، أن انضم إليه ابن عباس، واستعمل على البصرة زياد بن أبي سفيان.
ما أشار به الأحنف بن قيس على علي قال: وذكروا أن الأحنف بن قيس قام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، إنه إن يك بنو سعد (1) لم ينصروك يوم الجمل، فلن ينصروا عليك غيرك، وقد عجبوا ممن نصرك يومئذ، وعجبوا اليوم ممن خذلك، لأنهم شكوا في طلحة والزبير، ولم يشكوا في عمرو ومعاوية، وإن عشيرتنا بالبصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا علينا، فقاتلنا بهم العدو، وانتصفنا بهم من الناس، وأدركوا اليوم ما فاتهم أمس، وهذا جمع قد حشره الله عليك بالتقوى، لم نستكره شاخصا، ولم نشخص فيه مقيما، ومن كان معك نافعك، ورب مقيم خير من شاخص. وإنما نشوب الرجاء بالمخافة، ووالله لوددنا أن أمواتنا رجعوا إلينا، فاستعنا بهم على عدونا، وليس لك إلا من كان معك، ولنا من قومنا عدد، ولا نلقى بهم عدوا أعدى من معاوية، ولا نسد بهم ثغرا أشد من الشام.
كتاب الأحنف إلى قومه يدعوهم به إلى نصرة علي قال: وذكروا أن عليا قال للأحنف بن قيس: اكتب إلى قومك. قال:
نعم. فكتب الأحنف إلى بني سعد: أما بعد، فإنه لم يبق أحد من بني تميم إلا وقد شقوا (2) برأي سيدهم غيركم، وعصمكم الله برأيي، حتى نلتم ما رجوتم، وأمنتم مما خفتم، وأصبحتم منقطعين من أهل البلاء، لا حقين بأهل العافية، وإني أخبركم أنا قدمنا على تميم بالكوفة، فأخذوا علينا بفضلهم مرتين: مسيرهم إلينا مع علي، وتهيئهم للمسير إلى الشام، ثم انحشرنا معهم، فصرنا كأنا لا نعرف إلا بهم، فأقبلوا إلينا، ولا تتكلوا علينا، فإن لهم أعدادنا من رؤسائهم فلا تبطئوا عنا، فإن من تأخير العطاء حرمانا، ومن تأخير النصر خذلانا. فحرمان العطاء القلة، وخذلان النصر الابطاء ولا تنقضي الحقوق إلا بالرضا وقد يرضى المضطر بدون الأمل.