بحمص، يأمره أن يبايع له بحمص كما بايع أهل الشام، فلما قرأ شرحبيل كتاب معاوية دعا أناسا من أشراف أهل حمص، فقال لهم: ليس من قتل عثمان بأعظم جر ما ممن يبايع لمعاوية أميرا، وهذه سقطة، ولكنا نبايع له بالخلافة، ولا نطلب بدم عثمان مع غير خليفة. فبايع لمعاوية بالخلافة هو وأهل حمص، ثم كتب إلى معاوية: أما بعد: فإنك أخطأت خطأ عظيما، حين كتبت إلي أن أبايع لك بالإمرة، وأنك تريد أن تطلب بدم الخليفة المظلوم وأنت غير خليفة، وقد بايعت ومن قبلي لك بالخلافة. فلما قرأ معاوية كتابه سره ذلك، ودعا الناس، وصعد المنبر، وأخبرهم بما قال شرحبيل، ودعاهم إلى بيعته بالخلافة، فأجابوه، ولم يختلف منهم أحد، فلما بايع القوم له بالخلافة، واستقام له الأمر، كتب إلى علي:
كتاب معاوية إلى علي سلام الله على من اتبع الهدى. أما بعد، فإنا كنا نحن وإياكم يدا جامعة، وألفة أليفة، حتى طمعت يا بن أبي طالب فتغيرت، وأصبحت تعد نفسك قويا على من عاداك. بطعام أهل الحجاز، وأوباش أهل العراق وحمقى الفسطاط وغوغاء السواد وأيم الله لينجلين عنك حمقاها، ولينقشعن عنك غوغاؤها انقشاع السحاب عن السماء. قتلت عثمان بن عفان، ورقيت سلما أطلعك الله عليه مطلع سوء عليك لا لك. وقتلت الزبير وطلحة، وشردت بأمك عائشة، ونزلت بين المصريين فمنيت وتمنيت، وخيل لك أن الدنيا قد سخرت لك بخيلها ورجلها وإنما تعرف أمنيتك لو قد زرتك في المهاجرين من أهل الشام بقية الإسلام، فيحيطون بك من ورائك، ثم يقضي الله علمه فيك، والسلام على أولياء الله.
رد الإمام علي على معاوية فأجابه علي: أما بعد، فقدر الأمور تقدير من ينظر لنفسه دون جند، ولا يشتغل بالهزل من قوله، فلعمري لئن كانت قوتي بأهل العراق، أوثق عندي من قوتي بالله ومعرفتي به فليس عنده بالله تعالى يقين من كان على هذا، فناج نفسك مناجاة من يستغني بالجد دون الهزل، فإن في القول سعة، ولن يعذر مثلك فيما طمح إليه الرجال. وأما ما ذكرت من أنا كنا وإياكم يدا جامعة (1) فكنا