فأنا لا أنسى قتل عثمان. فكتب إليه أبو أيوب: إنه لا تنسى الشيباء ثكل ولدها، وضربتها مثلا لقتل عثمان، فما نحن وقتلة عثمان؟ إن الذي تربص بعثمان، وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت، وإن الذين قتلوه غير الأنصار، والسلام.
ما خاطب به النعمان بن بشير قيس بن سعد قال: وذكروا أن النعمان بن بشير الأنصاري وقف بين الصفين (1)، فقال: يا قيس بن سعد، أما أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه، إنكم يا معشر الأنصار أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، وقتلكم أنصاره يوم الجمل، وإقحامكم على أهل الشام بصفين، فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا، كان هذا بهذا، ولكنكم خذلتم حقا، ونصرتم باطلا، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس، حتى أشعلتم الحرب، ودعوتم إلى البراز، فقد والله وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعا إلى برازكم، غير أنكاس عن حربكم، ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة، ووعدتموه الظفر، وقد والله أخلفتموه، وهان عليكم بأسكم، وما كنتم لتخلوا به أنفسكم، من شدتكم في الحرب، وقدرتكم على عدوكم، وقد أصبحتم أذلاء على أهل الشام، لا يرون حربكم شيئا، وأنتم أكثر منهم عددا ومددا، وقد والله كاثروكم بالقلة، فكيف لو كانوا مثلكم في الكثرة؟ والله لا تزالون أذلاء في الحرب بعدها أبدا، إلا أن يكون معكم أهل الشام، وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم، ونحن أحسن بقية، وأقرب إلى الظفر، فاتقوا الله في البقية.
فضحك قيس وقال: والله ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذا المقام (2)، أما المنصف المحق فلا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش لنفسه، المبطل فيم انتصح غيره، أما ذكرك عثمان فإن كان الإيجاز يكفيك فخذه، قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث، وأما معاوية فلو اجتمعت العرب على بيعته