شئ، فأما السلاح والدواب فقسمه علي بيننا، وأما المتاع والعبيد والإماء فإنه حين قدم الكوفة رده على أهلها.
قال: ولما أراد علي الانصراف من النهروان، قام خطيبا، فحمد الله ثم قال: أما بعد، فإن الله قد أحسن بلاءكم، وأعز نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى معاوية وأشياعه القاسطين، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. فقالوا: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا، وكلت أذرعنا، وتقطعت سيوفنا، ونصلت أسنة رماحنا، فارجع بنا نحسن عدتنا، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة، فإن ذلك أقوى (1) لنا على عدونا. فأقبل علي بالناس حتى نزل بالنخيلة، فعسكر بها، وأمر الناس أن يلزموا معه عسكرهم، ويوطنوا أنفسهم على الجهاد، وأن يقلوا من زيارة أبنائهم ونسائهم، حتى يسيروا إلى عدوهم من أهل الشام، فأقاموا معه أياما، ثم رجعوا يتسللون ويدخلون الكوفة، ويتلذذون بنسائهم وأبنائهم ولذاتهم، حتى تركوا عليا وما معه إلا نفر من وجوه الناس يسير، وترك العسكر خاليا. [فلما رأى ذلك دخل الكوفة، وانكسر عليه رأيه في المسير] (2).
خطبة علي كرم الله وجهه قال: فقام علي على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، استعدوا للمسير إلى عدو في جهاده القربة إلى الله، ودرك الوسيلة عنده، فأعدوا له ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل، وتوكلوا على الله، وكفى به وكيلا، ثم تركهم أياما، ودعا رؤساءهم ووجوههم، فسألهم عن رأيهم، وما الذي ثبطهم؟ (3) فمنهم المعتل، ومنهم المتكره، وأقلهم من نشط، فقال لهم علي: عباد الله، ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا في سبيل الله (اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلا) [التوبة: 38]، ورضيتم بالذل والهوان من العز خلفا، كلما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم، كأنكم من الموت في سكرة، وكانت