إن قال فشر قائل، وإن سكت فذود غائل، قد عرفت من هم أولئك وما هم عليه لك، من المجانبة للتوفيق، والكلف للتفريق، فأجل ببيعته عنا الغمة، واجمع به شمل الأمة، فلا تحد عنه إذ هديت له، ولا تنش (1) عنه إذ وقفت له، فإن ذلك الرأي لنا ولك، والحق علينا وعليك، أسأل الله العون وحسن العاقبة لنا ولك بمنه.
ما قال معاوية بن أبي سفيان قال: فقام معاوية فقال: أيها الناس، إن لإبليس من الناس إخوانا وخلانا بهم يستعد، وإياهم يستعين، وعلى ألسنتهم ينطق، إن رجوا طمعا أوجفوا (2)، وإن استغنى عنهم أرجفوا (3) ثم يلحقون الفتن بالفجور، ويشققون لها حطب النفاق، عيابون مرتابون، إن ولوا عروة أمر حنقوا، وإن دعوا إلى غي أسرفوا، وليسوا أولئك بمنتهين ولا بمقلعين ولا متعظين، حتى تصيبهم صواعق خزي وبيل، وتحل بهم قوارع أمر جليل، تجتث أصولهم كاجتثات أصول الفقع (4)، فأولى لأولئك ثم أولى، فإنا قد قدمنا وأنذرنا إن أغنى التقديم شيئا أو نفع النذير.
قال: فدعا معاوية الضحاك فولاه الكوفة، ودعا عبد الرحمن فولاه الجزيرة، ثم قام أبو خنيف (5) فقال: يا أمير المؤمنين، إنا لا نطيق ألسنة مضر وخطبها، أنت يا أمير المؤمنين، فإن هلكت فيزيد بعدك، فمن أبي فهذا، وسل سيفه، فقال معاوية: أنت أخطب القوم وأكرمهم.
ثم قام الأحنف بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، أنت أعلمنا بليله ونهاره، وبسره وعلانيته فإن كنت تعلم أنه خير لك فوله واستخلفه، وإن كنت تعلم أنه شر لك، فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، فإنه ليس لك من الآخرة إلا ما طاب، واعلم أنه لا حجة لك عند الله إن قدمت يزيد على الحسن