وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم: أي القوم، وأنهم بايعوا، فقال: يا أهل الشام (1) إن هؤلاء النفر دعاهم أمير المؤمنين، فوجدهم واصلين مطيعين، وقد بايعوا وسلموا، قال ذلك والقوم سكوت ولم يتكلموا شيئا حذر القتل، فوثب أناس من أهل الشام فقالوا: يا أمير المؤمنين إن كان رابك منهم ريب، فخل بيننا وبينهم، حتى نضرب أعناقهم. فقال معاوية: سبحان الله! ما أحل دماء قريش عندكم يا أهل الشام. لا أسمع لهم ذاكرا بسوء، فإنهم قد بايعوا وسلموا، وارتضوني فرضيت عنهم، رضي الله عنهم (2).
ثم ارتحل معاوية راجعا إلى مكة، وقد أعطى الناس أعطياتهم، وأجزل العطاء، وأخرج إلى كل قبيلة جوائزها وأعطياتها، ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء. فخرج عبد الله بن عباس في أثره حتى لحقه بالروحاء (3)، فجلس ببابه، فجعل معاوية يقول: من بالباب؟ فيقال: عبد الله بن عباس؟ فلم يأذن لأحد.
فلما استيقظ قال: من بالباب؟ فقيل: عبد الله بن عباس، فدعا بدابته، فأدخلت إليه، ثم خرج راكبا، فوثب إليه عبد الله بن عباس، فأخذ بلجام البغلة، ثم قال:
أين تذهب؟ قال: إلى مكة، قال: فأين جوائزنا كما أجزت غيرنا، فأومأ إليه معاوية، فقال: والله ما لكم عندي جائزة ولا عطاء حتى يبايع صاحبكم (4). قال ابن عباس: فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد، وأبى عبد الله بن عمر، فأخرجت جائزة بني عدي، فما لمنا إن أبى صاحبنا، وقد أبى صاحب غيرنا؟
فقال معاوية: لستم كغيركم، لا والله لا أعطيكم درهما حتى يبايع صاحبكم.
فقال ابن عباس: أما والله لئن لم تفعل لألحقن بساحل من سواحل الشام، ثم لأقولن ما تعلم، والله لأتركنهم عليك خوارج. فقال معاوية: لا، بل أعطيكم جوائزكم، فبعث بها من الروحاء ومضى راجعا إلى الشام، فلم يلبث إلا قليلا، حتى توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في نومة نامها رحمه الله.
ما قال سعيد بن عثمان بن عفان لمعاوية قال: فلما قدم معاوية إلى الشام، أتاه سعيد بن عثمان بن عفان، وكان شيطان