خيرا منك ومن عثمان، كما أن عليا خير منك، وأما قولك: إنا لن نلقاك إلا بما لقيناك به، فقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله، وتخاف له ما بعده، وأما قولك:
إنه لو بايعني الناس استقمت فقد بايعوا عليا وهو خير مني، فلم تستقم له، وإن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان في الشورى، فما أنت والخلافة؟ وأنت طليق الإسلام، وابن رأس الأحزاب، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر.
خطبة علي كرم الله وجهه قال: وذكروا أن عليا قام خطيبا فقال: أيها الناس، ألا إن هذا القدر (1) ينزل من السماء كقطر المطر، على كل نفس بما كسبت من زيادة أو نقصان، في أهل أو مال، فمن أصابه نقصان في أهل أو مال فلا يغش نفسه، ألا وإنما المال حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام، وقد دخل في هذا العسكر طمع من معاوية، فضعوا عنكم هم الدنيا بفراقها، وشدة ما اشتد منها، برجاء ما بعدها، فإن نازعتكم أنفسكم إلى غير ذلك فردوها إلى الصبر، ووطنوها على العزاء، فوالله إن أرجى ما أرجوه الرزق من الله، حيث لا نحتسب، وقد فارقكم مصقلة بن هبيرة، فآثر الدنيا على الآخرة، وفارقكم بشر بن أرطأة فأصبح ثقيل الظهر من الدماء، مفتضح البطن من المال، وفارقكم زيد بن عدي بن حاتم، فأصبح يسأل الرجعة. وأيم الله لوددت رجال مع معاوية أنهم معي، فباعوا الدنيا بالآخرة، ولوددت رجال معي أنهم مع معاوية، فباعوا الآخرة بالدنيا.
قدوم ابن أبي محجن على معاوية قال: وذكروا أن عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية. فقال: يا أمير المؤمنين، إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب. فقال معاوية: لله أنت! أتدري ما قلت؟ أما قولك الغبي، فوالله لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان علي، وأما قولك إنه جبان، فثكلتك أمك، هل رأيت أحدا قط بارزه إلا قتله؟ وأما قولك إنه بخيل، فوالله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه. فقال الثقفي: فعلام