الأجناد، وذهبت الرجال، ونحن بنو عبد مناف، ليس لبعضنا على بعض فضل، إلا فضل لا يستذل به عزيز، ولا يسترق به حر.
جوابه فلما انتهى كتابه إلى علي، دعا كاتبه عبيد الله بن رافع (1)، فقال: اكتب:
" أما بعد، فقد جاءني كتابك، تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، وأنا وإياك في غاية لم نبلغها بعد (2)، وأما طلبك إلي الشام، فإني لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك لست أمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص من أهل العراق على الآخرة، وأما قولك: إنا بنو عبد مناف فكذلك، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل، وفي أيدينا فضل النبوة (3) التي قتلنا بها العزيز، وبعنا بها الحر، والسلام.
فلما أتى معاوية الكتاب أقرأه عمرا، فشمت به عمرو، ولم يكن أحد أشد تعظيما لعلي من عمرو بن العاص بعد يوم مبارزته، فقال معاوية لعمرو: قد علمت أن إعظامك لعلي لما فضحك، قال عمرو: لم يفتضح امرؤ بارز عليا، وإنما افتضح من دعاه إلى البراز فلم يجبه.
اختلاف أهل العراق في الموادعة قال: وذكروا أنه لما عظم الأمر، واستحر القتال، قال له رأس من أهل العراق إن هذه الحرب قد أكلتنا، وأذهبت الرجال، والرأي الموادعة. وقال بعضهم: لا بل نقاتلهم اليوم على ما قاتلناهم عليه أمس، وكانت الجماعة قد رضيت الموادعة، وجنحت إلى الصلح والمسالمة. فقام علي خطيبا فقال: أيها