ما أراني إلا لما بي، فما كنت أبالي، متى مت بعد يومي هذا، وكتب لهلال المحرم سنة ثلاث وستين. فلما جاءه الكتاب، أرسل إلى عبد الله بن جعفر وإلى ابنه معاوية بن يزيد، فأقرأهما الكتاب، فاسترجع عبد الله بن جعفر وأكثر، وبكى معاوية بن يزيد، حتى كادت نفسه تخرج، وطال بكاؤه، فقال يزيد لعبد الله بن جعفر: ألم أجبك إلى ما طلبت، وأسعفتك فيما سألت، فبذلت لهم العطاء وأجزلت لهم الاحسان، وأعطيت العهود والمواثيق على ذلك؟ فقال عبد الله بن جعفر: فمن هنالك استرجعت، وتأسفت عليهم، إذ اختاروا البلاء على العافية، والفاقة على النعمة، ورضوا بالحرمان دون العطاء، ثم قال يزيد لابنه معاوية:
فما بكاؤك أنت يا بني؟ قال: أبكي على قتل من قتل من قريش، وإنما قتلنا بهم أنفسنا. فقال يزيد: هو ذاك، قتلت بهم نفسي وشفيتها قال: وسأل مسلم بن عقبة قبل أن يرتحل عن المدينة عن علي بن الحسين، أحاضر هو؟ فقيل له:
نعم. فأتاه علي بن الحسين، ومعه ابناه، فرحب بهما، وسهل وقربهم، وقال:
إن أمير المؤمنين أوصاني بك. فقال علي بن الحسين: وصل الله أمير المؤمنين وأحسن جزاؤه ثم انصرف عنه. ولم يكن أحد نصب للحرب من بني هاشم، ولزموا بيوتهم، فسلموا، إلا ثلاثة منهم تعرضوا للقتال، فأصيبوا (1).
موت مسلم بن عقبة ونبشه قال: وذكروا أن مسلم بن عقبة ارتحل عن المدينة، وهو يجود بنفسه (2)، يريد ابن الزبير بمكة، فنزل في بعض الطريق، فدعا الحصين بن نمير فقال له: يا برذعة الحمار، إنه كان من عهد أمير المؤمنين إن حدث بي حدث الموت أن أعهد إليك، فاسمع، فإني بك عالم، لا تمكن قريشا من أذنك إذا قدمت مكة فتبول (أي قريش فيها)، فإنما هو الوفاق (3)، ثم النفاق ثم الانصراف ثم مات