تأميرك الصبيان، واعلم أن لك في قومك نظرا، وأن لهم على مناوأتك وزرا.
فغضب معاوية من كلامه غضبا شديدا، ثم كظم غيظه بحلمه، وأخذ بيد مروان، ثم قال: إن الله قد جعل لكل شئ أصلا، وجعل لكل خير أهلا ثم جعلك في الكرم مني محتدا، والعزيز مني والدا، اخترت من قروم قادة، ثم استللت سيد سادة، فأنت ابن ينابيع الكرم، فمرحبا بك وأهلا من ابن عم ذكرت خلفا مفقودين، شهداء صديقين، كانوا كما نعت، وكنت لهم كما ذكرت، وقد أصبحنا في أمور مستحيرة، ذات وجوه مستديرة، وبك والله يا بن العم نرجو استقامة أودها، وذلولة صعوبتها، وسفور ظلمتها، حتى يتطأطأ جسيمها، ويركب بك عظيمها، فأنت نظير أمير المؤمنين بعده، وفي كل شدة عضده، وإليك عهد عهده، فقد وليتك قومك، وأعظمنا في الخراج سهمك، وأنا مجيز وفدك، ومحسن رفدك، وعلى أمير المؤمنين غناك، والنزول عند رضاك (1).
فكان أول ما رزق ألف دينار في كل هلال، وفرض له في أهل بيته مئة مئة.
كراهية أهل المدينة البيعة وردهم لها قال وذكروا أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص وهو على المدينة، يأمره أن يدعو أهل المدينة إلى البيعة، ويكتب إليه بمن سارع ممن لم يسارع. فلما أتى سعيد بن العاص الكتاب، دعا الناس إلى البيعة ليزيد، وأظهر الغلظة وأخذهم بالعزم والشدة، وسطا (2) بكل من أبطأ عن ذلك، فأبطأ الناس عنها، إلا اليسير، لا سيما بني هاشم، فإنه لم يجبه منهم أحد، وكان ابن الزبير من أشد الناس إنكارا لذلك، وردا له.
فكتب سعيد بن العاص إلى معاوية: أما بعد، فإنك أمرتني أن أدعو الناس لبيعة يزيد ابن أمير المؤمنين، وأن أكتب إليك بمن سارع ممن أبطأ، وإني أخبرك أن الناس عن ذلك بطاء، لا سيما أهل البيت من بني هاشم، فإنه لم يجبني منهم أحد، وبلغني عنهم ما أكره وأما الذي جاهر بعداوته، وإبائه لهذا الأمر،