عرفت، وحاولت منهم ما علمت؟ قال: فتكلم يزيد، وقد خنقه من شدة الحياء الشرق وأخضله من أليم الوجد العرق. قال: لا تلزمني كفر نعمتك، ولا تنزل بي عقابك، وقد عرفت نعمة مواصلتك ببرك، وخطوي إلى كل ما يسرك، في سري وجهري فليسكن سخطك، فإن الذي أرثي له من أعباء حمله وثقله، أكثر مما أرثي لنفسي، من أليم ما بها وشدته، وسوف أنبئك وأعلمك أمري.
كنت قد عرفت من أمير المؤمنين استكمل الله بقاءه، نظرا في خيار الأمور لي، وحرصا على سياقها إلي، وأفضل ما عسيت أستعد له بعد إسلامي المرأة الصالحة، وقد كان ما تحدث به من فضل جمال أرينب بنت إسحاق وكمال أدبها ما قد سطح وشاع في الناس، فوقع مني بموقع الهوى فيها، والرغبة في نكاحها، فرجوت ألا تدع حسن النظر لي في أمرها، فتركت ذلك حتى استنكحها بعلها، فلم يزل ما وقع في خلدي ينمو ويعظم في صدري، حتى عيل صبري، فبحت بسري، فكان مما ذكرت تقصيرك في أمري، فالله يجزيك أفضل من سؤالي وذكري. فقال له معاوية: مهلا يا يزيد، فقال: علام تأمرني بالمهل وقد انقطع منها الأمل؟ فقال له معاوية: فأين حجاك ومروءتك وتقاك؟ فقال يزيد: قد يغلب الهوى على الصبر والحجا، ولو كان أحد ينتفع فيما يبتلي به من الهوى يتقاه، أو يدفع ما أقصده بحجاه، لكان أولى الناس بالصبر داود عليه السلام، وقد خبرك القرآن بأمره. فقال معاوية: فما منعك قبل الفوت من ذكره؟ قال: ما كنت أعرفه، وأثق به من جميل نظرك، قال: صدقت، ولكن اكتم يا بني أمرك بحلمك، واستعن بالله على غلبة هواك بصبرك، فإن البوح به غير نافعك، والله بالغ أمره، ولا بد مما هو كائن.
وكانت أرينب بنت إسحاق مثلا في أهل زمانها في جمالها، وتمام كمالها وشرفها، وكثرة مالها، فتزوجها رجل من بني عمها يقال له عبد الله بن سلام من قريش، وكان من معاوية بالمنزلة الرفيعة في الفضل. ووقع أمر يزيد من معاوية موقعا ملأه هما، وأوسعه غما، فأخذ في الحيلة والنظر أن يصل إليها، وكيف يجمع بينه وبينها حتى يبلغ رضا يزيد فيها. فكتب معاوية إلى عبد الله بن سلام:
وكان قد استعمله على العراق، أن أقبل حين تنظر في كتابي هذا لأمر حظك فيه كامل، ولا تتأخر عنه، فأعد المصير والإقبال. وكان عند معاوية بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء، صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عبد الله بن