وأرغب إليه في تولية أمره وكفاية همه، فقد كنت أعرف من جميل رأي أمير المؤمنين في، وحسن نظره في جميع الأشياء ما يؤكد الثقة ذلك والتوكل عليه؟ منعني من البوح بما جمجمت في صدري له، وتطلابه إليه، فأضاع من أمري وترك من النظر في شأني، وقد كان في حلمه، وعلمه، ورضائه، ومعرفته، بما يحق لمثله النظر فيه، غير غافل عنه، ولا تارك له، مع ما يعلم من هيبتي له وخشيتي منه، فالله يجزيه عني بإحسانه، ويغفر له ما اجترح من عهده ونسيانه، فقال الوصيف: وما ذلك جعلت فداك؟ لا تلم على تضييعه إياك، فإنك تعرف تفضيله لك، وحرصه عليك، وما يخامره من حبك، وأن ليس شئ أحب إليه، ولا آثر عنده منك لديه، فاذكر بلاءه، واشكر حباءه فإنك لا تبلغ من شكره إلا بعون من الله.
قال: فأطرق يزيد إطراقا عرف الوصيف منه ندامته على ما بدا منه، وباح به، فلما آب من عنده توجه نحو سدة معاوية ليلا وكان غير محجوب عنه، ولا محبوس دونه، فعلم معاوية أنه ما جاء به إلا خبر أراد إعلامه به. فقال له معاوية: ما وراءك؟ وما جاء بك؟ فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، كنت عند يزيد ابنك، فقال فيما استجر من الكلام كذا وكذا، فوثب معاوية وقال: ويحك ما أضعنا منه؟ رحمة له، وكراهية لما شجاه وخالف هواه؟ وكان معاوية لا يعدل بما يرضيه شيئا. فقال: علي به، وكان معاوية إذا أتت الأمور المشكلة المعضلة، بعث إلى يزيد يستعين به على استيضاح شباتها واستسهال معضلاتها، فلما جاءه الرسول قال: أجب أمير المؤمنين، فحسب يزيد إنما دعاه إلى تلك الأمور التي يفزع إليه منها، ويستعين برأيه عليها، فأقبل حتى دخل عليه، فسلم ثم جلس، فقال معاوية: يا يزيد ما الذي أضعنا من أمرك، وتركنا من الحيطة عليك، وحسن النظر لك، حيث قلت ما قلت؟، وقد تعرف رحمتي بك، ونظري في الأشياء التي تصلحك، قبل أن تخطر على وهمك، فكنت أظنك على تلك النعماء شاكرا، فأصبحت بها كافرا، إذ فرط من قولك ما ألزمتني فيه إضاعتي إياك، وأوجبت علي منه التقصير، لم يزجرك عن ذلك تخوف سخطي، ولم يحجزك دون ذكره سالف نعمتي، ولم يردعك عنه حق أبوتي، فأي ولد أعق منك وأكيد، وقد علمت أني تخطأت الناس كلهم في تقديمك، ونزلتهم لتوليتي إياك، ونصبتك إماما على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم من