فخرج معه يزيد فودعه. قال له: إن حدث بك حدث فأمر الجيوش إلى حصين بن نمير، فانهض بسم الله إلى ابن الزبير، واتخذ المدينة طريقا إليه، فإن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم، وانهبها (1) ثلاثا، فقال مسلم بن عقبة: أصلح الله الأمير، لست بآخذ من كل ما عهدت به إلا بحرفين. قال يزيد: وما هما؟ ويحك. قال: أقبل من المقبل الطائع، وأقتل المدبر العاصي.
فقال يزيد: حسبك، ولكن البيان لا يضرك، والتأكيد ينفعك، فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها، أو نصب لك الحرب، فالسيف السيف، أجهز على جريحهم، وأقبل على مدبرهم، وإياك أن تبقي عليهم، وإن لم يتعرضوا لك، فامض إلى ابن الزبير.
فمضت الجيوش، فلما نزلوا بوادي القرى، لقيتهم بنو أمية خارجين من المدينة، فرجعوا معهم، واستخبرهم مسلم بن عقبة عما خلفهم، وعما لقوا، وعن عددهم. فقال مروان: عددهم كثير، أكثر مما جئت به من الجيوش، ولكن عامتهم ليس لهم نيات ولا بصائر، وفيهم قوم قليل لهم نية وبصيرة، ولكن لا بقاء لهم مع السيف، وليس لهم كراع ولا سلاح، وقد خندقوا عليهم وحصنوا.
قال مسلم: هذه أشدها علينا، ولكنا نقطع عنهم مشربهم، ونردم عليهم خندقهم. فقال مروان: عليه رجال لا يسلمونه، ولكن عندي فيه وجه سأخبرك به. قال: هاته. فقال: اطوه ودعه حتى يحضر ذلك. قال: فدعه إذا. ثم قال لهم مسلم: تريدون أن تسيروا إلى أمير المؤمنين، أو تقيموا موضعكم هذا، أو تسيروا معنا؟ فقال بعضهم: نسير إلى أمير المؤمنين، ونحدث به عهدا، فقال مروان: أما أنا فراجع. فقال بعضهم لبعض: قد حلفنا لهم عند المنبر لئن استطعنا أن نرد الجيش عنهم لنردنه فكيف بالرجوع إليهم. فقال مروان: أما أنا فراجع إليهم. فقال له قوم: ما نرى أن تفعل، فإنما تقتلون بهؤلاء أنفسكم، والله لا أكثرنا عليهم لمسلم جمعا أبدا. فقال مروان: أنا والله ماض مع مسلم إلى المدينة، فمدرك ثأري من عدوي، وممن أخرجني من بيتي، وفرق بيني وبين أهلي، وإن قتلت بهم نفسي، فلم يرجع مع مسلم من بني أمية غير مروان وابنه عبد الملك، وكان مجدورا فجعله بذي خشب