يزيد، كأنك تصف محجوبا، أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصرا، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور، وحنقا في ظلم حتى ملأت الأسقية (1) وما بينك وبين الموت إلا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ، في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تراثا، ولقد - لعمر الله - أورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة وجئت لنا بها، أما حججتم به القائم عند موت الرسول، فأذعن للحجة بذلك، ورده الإيمان إلى النصف، فركبتم الأعاليل، وفعلتم الأفاعيل، وقلتم كان ويكون، حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار، وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلى عليه وسلم وتأميره له، وقد كان ذلك، ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول، وبيعته له، وما صار - لعمر الله - يومئذ مبعثهم حتى أنف القوم إمرته، وكرهوا تقديمه، وعدوا عليه أفعاله، فقال صلى الله عليه وسلم: لا جرم معشر المهاجرين، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول، في أوكد الأحكام، وأولاها بالمجمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا، وحولك من لا يؤمن في صحبته، ولا يعتمد في دينه وقرابته، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه، وتشقى بها في آخرتك.
إن هذا لهو الخسران المبين. وأستغفر الله لي ولكم.
قال: فنظر معاوية إلى ابن عباس فقال: ما هذا يا بن عباس؟ ولما عندك أدهى وأمر. فقال ابن عباس: لعمر الله إنها لذرية الرسول، وأحد أصحاب الكساء (2)، وفي البيت المطهر، فاله عما تريد، فإن لك في الناس مقنعا، حتى