الدرس وبعد ثلاث سنين من وفاة والدي توفي أخي الأكبر حسن وبقيت انا وأخي وابن أخي علي بن حسن إلى سنة 1269 ونحن نتعاطى أمر المعاش والقيام باود العيال ثم توجهت إلى قرية كفرة وكان حضر إليها من العراق الفقيه العلامة الشهير الشيخ محمد علي عز الدين فابتدأت بقراءة النحو بشرح الألفية واختصصت من بين تلامذته بالحسيب النسيب السيد محمود نجل المقدس المرحوم السيد علي الأمين وكان بيني وبينه مراسلات شعرية ونثرية فبقيت في كفرة نحو أربعة أشهر انا وأخي حسين وابن أخي علي ثم رجعنا إلى البلد وإذ بوارداتنا اضاعتها يد الخيانة مع كثرة العائلة فاخذتنا الحيرة ان تركنا الدرس فهذا خلاف عزمنا وان تعاطيناه ضاعت حاصلاتنا فعولنا على الجمع بين الأمرين بان نفتح مدرسة آبائنا على عوائدنا وكذلك فعلنا وكان من التوفيق انه بعد ما فتحتا المدرسة وحضر جملة من الطلبة حضر من العراق الشيخ سلمان العسيلي سنة 1270 فتوجهنا لزيارته وجدناه شيخا صالحا تقيا عابدا زاهدا فاظهر لنا الضجر من سكنى قرية ارشاف وأظهر الرغبة في سكنى طيردبا فواقف ذلك ما في نفوسنا من محبة التدريس وبعد عودنا ابيام قلائل توجه أحدنا واحضره فوجد المدرسة مفتوحة وتلاميذها فيها ثم ازدادوا سنة 1272 وبعد توجههما جاء أهل بلاد الشقيف واخذوا الشيخ سلمان عسيلي إلى قرية أنصار فاستوحشت لذلك كثيرا ثم اتاني كتاب دعوة من أمير عاملة علي بك الأسعد يدعوني إلى الحضور لتبنين فحضرت فاكرمني وحباني ومن مزيد ألطافه حباني فلما كان الليل قال إن الدولة العلية التزمت ان يكون في مركز كل حاكم نائب للشريعة موكلا من القاضي الأعلى في بيروت وينبغي ان يكون النائب في بلادنا من أهلها ولا يكون تركيا لا يعرف اللغة ولا عوائد البلاد ولا سيما الشيعة التي لا تفصل دعاواها الا عند العالم المسلم فضله ونزاهته وعدالته وأحب أن تكون المراسلة باسمك فاعتذرت بوحدتي وعدم معرفتي بإدارتها فتعهد ان لا يكلفني بشئ واخرج المراسلة من جيبه وقرأها على الجميع ولم يكن لي مناص من القبول ووفى بوعده فلم يكلفني شيئا من أثقالها كان يعقد لديه المجلس وتعرض القضايا والشرعية وبرأيه يفصل الجميع بدون ان يحضرني سوى العيدين كنت أحضر ليلة إلى تبنين مقر علي بك وثانية إلى الطيبة مقر محمد بك نعم في الأمور العظام وفي جمعية علماء أحضر معهم ودرج الأمر على هذا الحال إلى سنة 1280 فجاءت الطامة واغتالت الحكومة بدور وائل وقال في كتابه جواهر الحكم: قد من الله على هذا العاجز باعتبار وجاه واسع عريض وقد كنت تعرفت بالأميرين علي بن ومحمد بك الأسعد وفدت أولا على محمد بك الأسعد إذ كان وزير وخدبن وسمير الأمير الأول أمير امراء عاملة علي بك الأسعد وكنت في حداثة سني عندي معرفة بالأدب وباشعار العرب وتقدمت على الرجال الشيوخ وكنت كلما حدث أمر مهم أو رأي تشخص لجهتي ابصار الصحب وتوقف بعونه تعالى بكلما أفوه به فتحادثا ليلا وكان جملة من أولاد العلماء هناك فتفوقت عليهم جميعا وفي الصباح طلع من الدار الأمير الحطير وجلس في دسته فعرض عليه وزيره كلما كان في الليل من مسائل أدبية وتاريخية ونكت وأشعار فاستحسن الأمير ذلك وكبرت في عينيه ولحظني بعين الاخلاص والاعتبار وقضى لي جميع أشغالي وقدمني على أقرأني وأمثالي اه صفة سفرة له إلى الطيبة وحاصبيا وفي أواخر شهر رمضان سنة 1288 توجهت لعامرة الطيبة لتعزية العشائر كفيل الفخار والقائم بأعباء الرياسة صاحب السعادة خليل بك الأسعد أسعد الله جده بوفاة والدته فأكرم وفادتي ولما قرب العيد طلبت الرخصة بالذهاب فلم يسمح لي بالانصراف وقال بعد العيد بثلاث توجه حيث شئت فلم أشعر الا والمخابرة جارية بينه وبين امراء حاصبيا إذ قدموا له الدعوة بان يتكرم بالوفود إليهم وبعد العيد طلبت الرخصة حسب الوعد فقال جد لنا سفرة انس وسرور فلم يكن بد من اجابته فرفدنا على الشرف الأعبل وإذا جماعات الأعيان وأعيان الجماعات وبينهم انسان عين الزمان الأمير سليم الشهابي يقدمنا أمير البكوات كالبدر ما بين النجوم وجلسنا على جانب غدير ماؤه رضراض وحوله حدائق وغياض واتى بفاكهة ورمان وطعام سبعة ألوان فأكلنا شهيا وشربنا مريا وتجاذبنا أطراف الحديث وقضينا وقتا أعز من نفس الجبان واحلى من وصال الحسان ثم قدمت الخيول فركبنا وسرنا فرسخا أو ميلا فرأيت أمرا مهولا ورجالا وخيولا ورأيت البيك والامراء يتهافتون زمرا زمرا عدوا وركضا فقلت ما الخبر فقالوا تلك لذات الصيد فتركتهم وهم ينثالون بالأباطح والوهاد كأنهم ثلة من الأولاد واعتراني انحراف في صحتي فدخلت حاصبيا والمنزل لنا بها مهيا حتى وصلت إلى قاعة وإيوان وبركة وشاذروان فنمت إلى نصف الليل ثم جاءني عرق كالسيل فانتبهت وإذا البيك والأمير عند رأسي يشتوران لا يناسي وقالا حيا الله أبا سليمان وهذا عرض وكان ما كان واعتمدا على المداعبة وأكثرا في المحاورة والمشاغبة ثم سرنا وقد ضرب الدجى مضاربه وأسبل ذوائبه واستمر بنا السير ونحن نقاسي الضير من الأرض ووحلها والسماء ووبلها حتى وصلنا الطيبة العامرة وفي الليل تحرك الوجع وأصبحت وانا في حال ضنك وقضيت يوما كليلة النابغة وظننت ان الوجع من أضراسي فقلت من يحسن القلع أيها الجمع فجئ بأبي طوبية في الليل ومال إلى قلع ضرسي كل الميل فعاوده مرارا وجذبه بالكلبة تكرارا وما فتئ ولا انفك حتى قلع مع الضرس شيئا من الفك وتزايد الوجع وبقيت ستين يوما والباب مغلق علي والبيك يخدمني بنفسه وجاء الأمير سليم رادا السلام على البيك ومعه جماعة من بني عمه وحضر حسن بك الفضل الصعبي من النباطية فاجتمعوا ليلا عندي وأكثروا من ذكر الصيد تعريضا بما أصابني بسبب الصيد فاندفعت أصول على بني شهاب بكلام أحد من الحراب وعلى آل الصغير بأمضى من المباتير وعلى بني صعب بما هو أشد من الضرب وانهم من لطفهم يحتملون ثم عزمت على الخروج من الطيبة إلى الوطن وكان البيك توجه لصيدا لشغل ضروري فامرت الست عبلة بخادمين من خدمهم الخاصة فكانا في صحبتي فبقيت في الوطن عشرة أيام ثم توجهت لصور وراجعت الأطباء فوصف لي طبيب مسهلا وكنت لا آخذ من طبيب دواء خوف الاغتيال بل هو يصفه وانا اركبه ولكن هذه المرة غفلت فتناولت المسهل منه في السوق فتغيرت حالي وأسرعت إلى الدار فأصابني إغماء وامتلأت الدار والسطوح ويئسوا مني وحقنوني أربع عشرة مرة فما أجدى شيئا فجاء الطبيب القبرصي وقال علي بالحليب فاتي به فسقاني وحصل القئ والحاج علي أبو خليل والحاج علي عرب يفتشان على الطبيب الذي سقاني المسهل فوجداه قد هرب فاحضروا جماعة من الأطباء فنظروا القئ وهو يجمد على الأرض فحكموا انه مسموم وما ملكت رشدي إلى ثلاث وكان ذلك من بعض أكابر أهالي صور الذي
(٦٩)