ومنها القصيدة التي يقول فيها:
كليب لا خير في الدنيا ومن فيها * ان أنت خليتها فيمن يخليها كليب اي فتى عز ومكرمة * تحت الصفاة التي يعلوك ساميها والقصيدة التي يقول فيها:
نبئت ان النار بعدك أضرمت * واستب بعدك يا كليب المجلس وتحدثوا في أمر كل عظيمة * لو كنت شاهدهم بها لم ينسبوا وكان فيهم رجل يسمى همام بن مرة من عقلاء الرجال فاعتزل الحرب وقال لا ناقة لي في هذا ولا جمل فارسلها مثلا وكان له ابن يسمى بجيرا فخرج في طلب ابل له فقتله مهلهل وقال بؤ بشسع نعل كليب فبلغ أباه قتله فقال نعم القتيل قتيل أصلح به بين عشيرتين إن كان مهلهل قتله بأخيه كليب فلا اطلب بدمه فقيل له انما قتله بشسع نعل كليب فقال قد يأتي الحديث عن غير أهله فلما علم ذلك قال:
قربا مربط النعامة مني * قرباه وقربا سربالي قربا مربط النعامة مني * وأسالاني ولا تطيلا سؤالي قربا مربط النعامة مني * طال ليلي على الليالي الطوال قربا مربط النعامة مني * لبجير فداه عمي وخالي قتلوه بشسع نعل كليب * ان قتل الكريم بالشسع غالي ولما قتل همام قال فيه مهلهل:
وهمام بن مرة قد تركنا * عليه القشعمان من النسور ومهلهل لقب بذلك لأنه أول من هلهل الشعر.
وكان من جملة الطلبة طالب يسكن في دار جماعة غير البيت الذي يسكن فيه جمهور الطلبة وانا معهم فكان يأتي نهارا إلى البيت الذي نحن فيه فيجلس ناحية يكتب ويقرأ ولا يلتفت إلى ما فيه الآخرون من لعب وبطالة وهو حسن الخلق هادئ فكانت تعجبني حاله فاجلس إليه وأتحدث معه إلى أن ذهبنا إلى العراق فرأيته قد تغير وانقلب عما كان عليه فعلمت ان لطلبة جبل عامل ثلاثة أدوار الدور الأول في جبل عامل فقد يكون صالحا فإذا ذهب الطالب للعراق فقد يزداد صلاحا وقد يتغير إلى غير ما كان عليه وإذا كان فاسدا ازداد فسادا في الدور الثاني والثالث... الدور الثاني في العراق وهذا يعلم حاله مما مر في الدول الأول. الدور الثالث بعد الرجوع من العراق فصاحبه إما ان يزداد صلاحا أو فسادا.
وكان معنا في هذه الحجرة لفيف من الناس يجري بينهم أشكال من اللعب واللطائف فكان للحجرة طاقة على السطح يدخل منها هر فياكل زاد الطلاب فكان أحدهم يذهب إلى السطح ويصرخ بصوت كصوت الهررة فيتبادر الجماعة من الطلبة إلى العصي والى الطاقة ليسدوها. ومطرت السماء مرة فتساقط الدلف فبات بعضهم على المكان الخالي منه وبعضهم على المحمل وبعضهم أسفل من المحمل وكان معنا في تلك الحجرة رجل هو أكبر الطلبة سنا وأقلهم عقلا وأكثرهم جهلا وأفسدهم أخلاقا فكان يحكم على الطلبة إذا أراد النوم ان يناموا ويطفئوا السراج ولا يدعهم يكملون مطالعة دروسهم وإذا أراد أحدهم ان ينام وهو يطالع يحكم عليه ان يبقى ساهرا ومن الذي يجسر على معارضته وهو إذا عارضه أحد تناوله بالسب والشتم القبيح وإذا رأى أن أحدا منهم يمدحه الناس لحسن صفاته بادر إلى ذمه وكان الطلبة يسبحون مرة في عين تسمى عين بطيطة في أيام الربيع فحكم عليهم ان يخرجوا ومن لم يخرج القى ثيابه في العين فالقى بثياب جماعة منهم فغرقت من جملتها عباءة لم يمكن اخراجها لأن العين بعيدة القعر واقتضى نظره ان يهجم هو وجماعة من الطلبة على رجل من أهل القرية ففعلوا واوسعوه وزوجته ضربا ثم اقتضى نظره ان يذهب مع الطلبة إلى تبنين يشكون ذلك الرجل المضروب إلى المدير فقال لهم كاتب المدير كيف يعقل ان يكون رجل واحد ينتصر على جماعة كثيري العدد فيضربهم ولا يضربونه وكان السيد جواد غائبا مع الشيخ موسى شرارة في ساحل صور فرأى أن يذهب إليهما فتلقاهما مع الطلبة إلى وادي عاشور فقال له الشيخ موسى الظاهر انكم ما تركتم الرجل حتى أمتموه. ثم اني انتقلت من تلك الحجرة إلى مكان آخر.
وبعد اكمال شرح القظر شرعنا في قراءة شرح ابن الناظم على الألفية بكل اتقان وجعلنا نراجع بكل دقة في أثناء ذلك شرح الشيخ الرضي على كافية ابن الحاجب الذي هو من أجل كتب النحو ويحوي فلسفة علم النحو واللغة العربية بطرز عجيب لا يوجد في غيره ونراجع أيضا عدة من كتب النحو المشهورة كشرح الخيامي. وأعوزنا كتاب التصريح تاليف خالد الأزهري فلم نجده لا شراء ولا عارية حتى وجدنا نسخة مخطوطة عند بعض أقربائنا ضخمة الحجم جدا قد افنى كثيرا من سطورها الزاج الذي مزج بمدادها وهم يضنون بها وهي لا تساوي شيئا فاستعرناها بعد جهد شديد وامتناع من أصحابها حتى كأنهم أعارونا جوهرة يتيمة وذكرنا هذا ليعلم ما قاسيناه من المشاق في طلبنا العلم، ثم تهيا لنا عارية نسخة مطبوعة فسررنا بها كثيرا وكنا نحضر غالبا يوم الخميس بعد الظهر من عيثا إلى شقرا ونعود عصر الجمعة واتفق مرة ان مطرت السماء وتعذر علينا الذهاب يوم الجمعة فذهبت الوالدة تفتش لنا ليلة السبت على شرح الألفية لئلا تفوتنا مطالعة الدرس ليلة السبت فما زالت حتى وجدته وأحضرته إلينا وقرأنا مع شرح الألفية شرح الجاربردي في التصريف على كافية ابن الحاجب حتى وصلنا في شرح الألفية إلى بحث نعم وبئس وعندها سافر رفيقي الشيخ محمد دبوق إلى العراق للزيارة مع رفيق له راجلين بزي الدراويش ثم عاد فأكملت في غيابه شرح الألفية ولما عاد راجع معي قراءة ما فاته وكان قد أودع كتبه حين سافر عند السيد جواد مرتضى شيخنا وصاحب مدرسة عيثا وفيها شرح القطر مجلدا تجليدا متينا بجلد سختيان جديد وكان الرجل المشار إليه آنفا انه أكبر الطلبة سنا وأقلهم عقلا وأكثرهم جهلا وأفسدهم أخلاقا يدخل إلى دار السيد جواد وكان يتعاطى كتابة الحجب والهياكل فاتى يوما بذلك الكتاب وقص الجلد منه وجعله جلودا للحجب والهياكل التي كان يكتبها للنساء والأطفال وألصق مكانه كاغدا وابقى السختيان على أطراف الجلد ومن ذا الذي يجسر من الطلبة على معارضته أو منعه ثم خاف ان يظهر الأمر فأخفى الكتاب بالكلية والله أعلم ما ذا صنع به فلما حضر الشيخ محمد من العراق افتقد شرح القطر فلم يجده فأخبرته بما صنع به فلم يزد على انشاد هذا البيت:
وقد يهلك الإنسان كثرة ماله * كما يذبح الطاووس من أجل ريشه وحصل ونحن في عيثا عرس في حاريص واتفق وجودنا هناك فرأينا العريس راكبا على فرس يطاف به على البيوت لأخذ النقوط وهو من العادات القديمة التي لم يبق لها اثر اليوم. ثم شرعنا بعد اكمال شرح