وكتبنا بذلك سندات على هذا النحو.
ثم توجهنا إلى الحجاز عن طريق مصر وجاءنا كتابهم إلى الحجاز باستلامهم الدار ونقل الأولاد إليها وكان بصحبتنا في الحج إيراني من أهل أرومية فأعطاها عشرين ليرة عثمانية ذهبا للمدرسة وحج في تلك السنة ميرزا علي أصغر خان اتابك الصدر الأعظم في إيران لكنه كان معزولا بسبب قضية المشروطة وعاد مع الحاج الشامي إلى دمشق واجتمعنا به في الطريق ولما وردنا الشام دعونا إلى المدرسة وأقمنا له حفلة فأرسل لنا في اليوم الثاني كتابا مع ترجمان القنصل ومعه سبعون ليرة عثمانية ودعونا والي سورية عارف بك المارديني فسر كثيرا وخطب خطبة اعرب فيها عن سروره بما رأى وشكرنا وخاطبنا بأجمل خطاب ودفع لنا اعانة للمدرسة عشرين ليرة عثمانية ذهبا فأصلحنا المدرسة من ذلك بنحو ثلاثين ليرة ودفعنا الباقي مما علينا من الأقساط ثم وقفناها مدرسة واستثنينا دارا صغيرة منها لم ندخلها في الوقف لقاء ما بذمتنا من الثمن ويسر الله تعالى دفع جميع الأقساط الا القسط الأخير فطلبه منا الحاج يوسف فأرسلنا له ان شئت ان تمهلنا به وان شئت بعنا الدار الصغيرة وأديناه فقال لا تبع الدار وسأحضر للشام ونعمل حفلة لتدارك العجز فكان الأمر كذلك وتبرع الحاضرون في الحفلة وهو منهم بما دفعنا منه الدين وزاد معنا ما صرفناه على المدرسة. وما زال أمر المدرسة ينتظم شيئا فشيئا وقد بقيت مدة غير قليلة لم يتم انتظامها الا اننا نقابل ذلك بالصبر ولا نمل والأعمال لا يضرها مرور زمن عليها ولم تنتظم فلا بد ان تصل إلى المداومة والصبر إلى الانتظام وانما يضرها الملل وقلة الصبر فصبرنا وجاهدنا فظفرنا.
ثم وفق الله لشراء دار ثانية هي أحسن من الأولى بمراحل ومن أفخم دور دمشق شريت بقيمة ألف وخمسمائة ليرة عثمانية ذهبا وأصلحت بخمسمائة وهي تساوي اضعاف ذلك بذل ثمنها كل من المحسنين الكرام السيد علي والسيد كامل نظام والحاج رضا النحاس والحاج مهدي اللحام والحاج حسن الحلباوي جازاهم الله خير الجزاء ونقلت إليها التلاميذ، والدار الأولى تستغل ويصرف ريعها على المدرسة وقد أصبحت المدرسة اليوم حين تحرير هذه الكلمات وهو السابع من شهر شوال سنة 1370 على أتم نظام وأحسن انتظام ذات صفوف ثانوية وقسم داخلي تفوق جميع مدارس دمشق التي من نوعها بحسن تنظيمها والمحافظة فيها على التحلي بالأخلاق الاسلامية الفاضلة ونجاح طلابها في الامتحانات مائة بالمائة وأصبحت الطلاب تتهافت عليها من جميع الأحياء لما يرى أولياؤهم من تهذيب أخلاق أولادهم ونجاحهم حتى صار يضطرنا الحال أحيانا إلى رد طلبهم لضيق المكان فيلحون علينا ويصرون ووضعنا لكل صف فيها كتابا للمحفوظات وكتبا تسعة للعقائد والأحكام الشرعية من العبادات والمعاملات والمواريث والحدود والديات وتفسير عدة من الآيات القرآنية وقسم من الأخلاقيات وطبعت هذه الكتب وانتشرت في باقي المدارس وعم نفعها وترجمت إلى الفارسية.
وقد وفق الله تعالى لإيجاد أوقاف لها من جماعة من أهل الخير وفي سنة 1367 اشتري لها دكان في سوق الحميدية بألف ليرة عثمانية ذهبية.
وستزيد اوقافها بعون الله تعالى عاما فعاما بفضل الاخلاص وحسن النية.
وكانت مدرسة البنات قد ضاقت بالطالبات فتبرع المرحوم الحاج يوسف بيضون بشراء دار دفع ثمنها ثلاثة آلاف وثمانمائة ليرة عثمانية ذهبا وعين لها من ماله ألف ليرة عثمانية ذهبا يصرف ريعها على نفقاتها فبقيت مدة يتجر بها أحد أولاده ويقوم بنفقات المدرسة ثم اشترى بها عقارا في بيروت ووقف عليها واعترافا بفضل الحاج يوسف بيضون اطلقنا اسمه على المدرسة وسميناها المدرسة اليوسفية.
هذا ما وفق الله لعمله بشأن اصلاح الأمر الأول من الأمور الأربعة المتقدم إليها الإشارة وأما الأمر الثاني وهو أمر الحزبية بين أبناء الطائفة والتشاكس الواقع بينهم فرفعه أمر واحد لم نكن نعرفه ولا نعرف ان له هذا الأثر وهو المساواة بين الناس وعدم التحيز لفريق دون آخر وهذا أمر طبعنا عليه ولم نتكلفه تكلفا.
أما الأمر الثالث وهو اصلاح إقامة العزاء لسيد الشهداء ع فكان فيه خلل من عدة جهات منها ما يتلوه الذاكرون من الأخبار المكذوبة والأغلاط الشائنة وبعض الأعمال التي تجري في المجالس. ذكر مرة رجل وقعة الجمل فقال كان اسم الجمل عسكر بن مردية فقلت في نفسي الجمل كثيرا ما يعرف باسم أما ان يقال ابن فلان أو ابن فلانة فلم يسمع به فسألته فقال هذا موجود في البحار فراجعت البحار فإذا فيه وكان اسم الجمل عسكرا، ثم ابتدأ بكلام جديد فقال: ابن مردويه. وقرأ قارئ يوما في الكاظمية فلم يذكر في ذلك المجلس حرفا واحدا صادقا وكان إلى جانبي السيد مهدي آل السيد حيدر فقلت له أقسمت عليك بالله هل فيما ذكره هذا الرجل حرف صادق قال لا قلت فلما ذا لا تنهون قال لا نستطيع ولما حضر الشيخ موسى شرارة إلى جبل عامل أحضر معه مجموعة كتبها له بعض الذاكرين فيها الصحيح والسقيم مما يتلى في مجالس النجف وكان فيها خبر مقتل أمير المؤمنين ع. وفيه كلام للأصبغ بن نباتة يخاطب به أمير المؤمنين ع وقد زيد فيه كلام مسجع منمق منه ان البرد لا يزلزل الجبل الأصم ولفحة الهجير لا تجفف البحر الخضم والليث يضرى إذا خدش والصل يقوى إذا ارتعش ونحو ذلك وكان الشيخ موسى يتلوه ويعجب من بلاغته. ولما كتبت مقتل أمير المؤمنين في المجالس السنية لم أجد له اثرا في كتاب وسمعت الميرزا حسين النوري مرة في داره ينكره على المنبر ويقول إنه لا أصل له وفي تلك المجموعة عدة أحاديث موضوعة وبعض الذاكرين يزيد عبارات وجملا محزنة ليهيج بها السامعين. وهؤلاء القراء ليس لديهم ذرة من علم ولا معرفة وأكثرهم من العوام ومن كان ذا معرفة لا يتحرى الا الصحيح ومثل هذه الأمور تجري في كل فرقة وكل طائفة فجهدت في تنزيه هذه الذكرى المباركة عن مثل ذلك ونهيت القراء عن قراءة مثلها وألفت