اثنين ثم ألصقته وهكذا في باقي السنين وحضرت الامتحان أربع سنين وتوفر علي سنتان وأعطيت شهادة بانتهاء الامتحان لكنهم تفطنوا بعد ذلك لهذا الغلط فطلبت وأديت الامتحان عن سنتين في سنة واحد فتوفر علي سنة واحدة فقط. وحضرنا للامتحان في السراي فاعطونا محل الامتحان في شرح ايساغوجي وقالوا تذاكروا فيه فدخلنا المسجد الذي في السراي التي هدمت أخيرا فجلس البيروتيون ناحية وجلسنا ناحية فدخل اللبابيدي وقال للبيروتيين قوموا واجلسوا مع اخوانكم واستفيدوا منهم فقاموا وجلسوا إلينا فكانوا يدخلون رجلا منا ورجلا منهم وكانوا أضعف منا بمراحل ودخل واحد منهم حليق اللحية وخرج فقال له اخر ما سألوك عن هذه فقال حذفناها حذفا قياسيا وكان المجلس مؤلفا من المميز والقاضي والمفتي والنقيب وبعض العلماء وجماعة عسكريين لكن القاضي لم يحضر ولما دخلت قال لي المميز اقرأ، فقرأت القضية قول يصح ان يقال لقائله انه صادق فيه أو كاذب فيه فقال لي من اي القضايا هذه قلت موجبة كلية فقبل جوابي ثم تأملت بعد ذلك فرأيت انها طبيعية وسألني أسئلة أخرى فأجبته ثم قمت لأكتب حسب الطريقة المرسومة فكتبت ما أعجب به الحاضرون وجاء محرر الجريدة فأخبر ان طلاب صيدا وصور ومرجعيون نجحوا جميعا وجاءت الجريدة إلى البلاد فكانت بشرى عظيمة ولما وصلت الشهادات إلى المير ألاي ليمضيها طلب حضورنا لديه من بين جميع الطلاب فقال لنا انما طلبتكم لأوصيكم بأمرين:
الأول انكم إذا سئلتم في استانبول أو في الشام أو في بيروت أو في اي مكان تجيبون لأني حضرت امتحانكم وسمعت أجوبتكم فاياكم ان تدفعوا لأحد شيئا.
والثاني لا تقولوا قد سئلنا فأجبنا وتتركوا طلب العلم.
فقلت له نحن لا نطلب العلم لأجل التخلص من العسكرية بل إنه ليس لنا مهنة ولا صنعة غير طلب العلم أبا عن جد وشكرناه على نصائحه وامضى لنا الشهادات وخرجنا وعدنا إلى بلادنا سالمين غانمين ببركة التوكل على الله تعالى والياس من الناس وصرنا نأتي إلى الامتحان كل سنة حتى مضت سنوه.
جعفر المحمد ابن الشيخ محمد حسين المحمد من نسل الشيخ محمد بن محمود العاملي المشغري الشاعر المشهور وقد ينسبون إلى الحر للمصاهرة بينهم حتى كأنهم عائلة واحدة والمتدينون منهم لا يرضون ان ينسبوا أو ينتسبوا إلى الحر وكان جعفر هذا مجنونا في ثياب عاقل متعمدا للأذى وكان هو في العراق يؤذي العامليين لا سيما ابن عمه العالم الفاضل البر الصالح الشيخ حسين بأنواع الأذى ويشكوهم إلى الحكام وكانوا معه دائما في عناء وسافر مرة إلى إيران فكلف من يكتب له كتابا إلى النجف بان جعفرا توفي فلما وصل الكتاب إلى النجف جعل ابن عمه الشيخ حسين يبكي فقال له ابن عمنا السيد علي محمود أ تبكي عليه ابعده الله أ نسيت ما كان يصنعه معك ومعنا فقال انما أبكي عليه لقلة توفيقه وفي أثناء ذلك حضر جعفر للعراق فقيل له ما الذي حملك على هذا الكتاب فقال أردت ان اعرف من يحبني ممن يبغضني ويشمت بموتي. وكان معنا في بيروت جماعة من آل الحر الكرام حضروا مع أولادهم المطلوبين للامتحان فيهم الشيخ عبد السلام الحر ومعهم الشيخ محمد المعروف بالخجا من آل مروة حضر مع ولده أيضا وكان قارئا للقرآن عارفا بالتجويد فقرأت عليه صلاتي فقال جيدة سوى ان الدال من سورة التوحيد في أحد وغيرها تحتاج إلى قلقلة وهي الحاق شئ بالدال شبه الهمزة، وحضر في هذه المدة إلى بيروت الحاج محمد ابن الحاج حسن عبد الله لأجل رجل من الخيام اخذ للخدمة العسكرية ووضع بالقشلة فهربه ليلا وصرف ما جاء به من الدراهم لتخليصه فامتزج معه جعفر وجعل لا يفارقه وهو يكرمه وكنا جلوسا مرة فمد الحاج محمد يده إلى ربطة رقبته ليصلحها فقال جعفر لرجل إلى جنبه أ لست ذكيا بأنه يقول لك اذبحه أ ما تراه مد يده إلى رقبته مشيرا إلى ذلك وعزم آل الحر ليلة على قتل جعفر ليتخلصوا من أذاياه الكثيرة وما ينشع به على الشيعة من الأكاذيب مع أنه كان نازلا مع آل الحر يأكل زادهم ويؤذيهم ولا يجدون إلى التخلص منه سبيلا فعزموا على قتله ودعونا للاشتراك معهم فأبينا مستنكرين ذلك وكنا نازلين وهم في فندق واحد فلما مضى شطر من الليل بدأوا بتنفيذ خطتهم فقال لهم اخنقوني خنقا لا تذبحوني ذبحا فمزقوا ثيابه وأكثروا الجراح في وجهه ثم جبنوا عن اتمام خطتهم فقال لهم قد تبت إلى الله واليكم فاستأجروا لي غدا دابة لأذهب عنكم إلى جبع فلما كان الصباح غسلوا وجهه واتوه بثياب وأرسلوا معه من يستأجر له دابة فجعل الذي معه يمشي به إلى محل استئجار الدواب وهو يجره نحو السراي فلما رأى منه ذلك عاد عنه وعلم أنه يريد الشكوى فذهب إلى السراي وشكاهم وأخبر بما جرى له فألقي عليهم القبض وما تخلصوا ذلك اليوم الا بجهد عظيم ومشقة شديدة وواسطة قوية.
طلب عالم من العراق بعد وفاة المرحوم الشيخ موسى شرارة وتفرق طلبة مدرسته اعتزم الحاج سليمان البزي وجيه بنت جبيل ومثريها وجماعة من وجوه البلاد بتشويق جماعة من أهل الفضل طلب عالم من العراق بتوسط الشيخ محمد حسين الكاظمي أشهر علماء العرب في العراق، فارسلوا له برقية بطلب أحد اثنين: السيد إسماعيل الصدر أو السيد مهدي الحكيم وكثر ارسال البرقيات بهذا الصدد، وكانت البرقيات ترسل إلى بغداد بواسطة حسن رضا الشامي ومنها إلى النجف لعدم وجود مركز برقي في النجف. فقبل السيد الحكيم بالمجئ على أن يرسل له مائتا ليرة عثمانية ذهبا، فأرسل له مائة مقدما وأرجئت مائة إلى حين حضوره، ولما حضر استقبله القوم إلى دمشق فاخذ بالحزم ولم يبرح دمشق حتى امنت المائة الثانية، وكنا أشوق إلى حضوره من الظمان إلى بارد الماء، فهرعنا مع من هرع للسلام عليه، واستبشر الناس بحضوره، وكنت من أشدهم استبشارا واجتمع طلاب مدرسة الشيخ موسى، وانا معهم للقراءة عليه سوى السيد نجيب فضل الله، الذي كان قد هاجر إلى العراق، واكتريت دارا وذهبت مع عيالي إلى بنت جبيل. وتوافد الطلاب إليها وكنت قد وصلت في المعالم إلى الاستصحاب كما مر. وكان المتقدمون من بقية الجماعة قد فرغوا من قراءة القوانين وشرح اللمعة وشئ من الرسائل. وتذاكرنا معه في أمر ترتيب الدروس، فقال للجماعة: ان لي شرحا على منظومة الشيخ موسى شرارة في الأصول، فاقرأوا فيه بدل الرسائل وهو شرح على شئ من أول