أو غير محقق، بريئا من التحريف، أو يعتريه التحريف، في كل صفحاته وفقراته.
لقد عانى التراث العربي من هذه المؤسسات الكثيرة، وما زال يعاني، وكم كنا نود أن تقوم هيئة عليا لوضع برنامج لأولويات نشر التراث، يكون ملزما لجميع الناشرين، بحيث لا يخرج الكتاب الواحد في عدة طبعات في آن واحد!! في الوقت الذي لا تري النور ألوف من المخطوطات!! وبحيث لا يخرج الكتاب على الناس محرفا، غير مقروء قراءة صحيحة، تلك مهمة هيئة عليا، ننتظر أن تقوم، إن صلحت النيات، وقويت الرغبة في الخير، وأريد لهذه الأمة أن تسلك مسالك الصلاح والإصلاح.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا، واحد من آثار المقريزي العلمية، وجزء من تراثه الكبير. والمقريزي مؤرخ، أديب، فقيه، راوية، له أثر كبير في نفسي، ونفوس الكثيرين من دارسيه وعارفي فضله.
ولقد وقفت وتعرفت على كثير من أعماله التاريخية، والأدبية، والدينية، رأيته عالما جليلا، تأثر بمن سبقوه، وأثر فيمن جاءوا بعده، وكان لتأثره وتأثيره أثر كبير في إنتاجه الثقافي الذي أربى على مائتي مجلد!!
إن المقريزي علم من الأعلام الذين ينبغي أن نعني بدراستهم، ونهتم بتراثهم وآرائهم، وقد آلمني - أثناء دراستي للرجل، ولحياته - أن أجد كتب التراجم قد هجرت الرجل هجرا غير جميل، فلم تشر إليه إلا إشارات عابرة لا تكفي في تكوين فكرة عن الرجل، أو إلقاء ضوء على حياته! الأمر الذي يجعل الدارسين لحياة الرجل، والكاتبين لترجمته، يجدون عناء شديدا فيما يقصدون إليه، ويريدون له، فإنهم ينقبون فيما كتبه الرجل، لا فيما كتب عنه، فما كتبه كثير، وما كتب عنه قليل، بل دون القليل!.