الآخرون: لم يرد رسول الله هذا. وانطلقوا، فلم يبق منهم مع أميرهم عبد الله ابن جبير إلا دون العشرة، وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون، وكانت الريح أول النهار صبا فصارت دبورا، وبينا المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم، إذ دخلت الخيول تنادي فرسانها بشعارهم: يا للعزى (يا لهبل) (1)، ووضعوا في المسلمين السيوف وهم آمنون، وكل منهم في يده أو حضنه شئ قد أخذه، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون في كل وجه، وتركوا ما انتهبوا، وخلوا من أسروا، وكر خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل في الخيل إلى موضع الرماة، فرماهم عبد الله بن جبير بمن معه حتى قتل، فجردوه ومثل به أقبح المثل (2)، وكانت الرماح قد شرعت في بطنه حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته وخرجت حشوته (3). وجرح عامة من كان معه، وانتقضت صفوف المسلمين.
قولهم إن محمدا قتل، وانتقاض صفوف المسلمين ونادى إبليس عند جبل عينين (4) - وقد تصور في صورة جعال بن سراقة -: إن محمدا قد قتل: ثلاث صرخات، فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين (5).
اختلاط الأمر على المسلمين، فيقتل بعضهم بعضا واختلط المسلمون وصاروا يقتلون، ويضرب بعضهم بعضا، ما يشعرون من العجلة والدهش، وجرح أسيد بن حضير جرحين ضربه أحدهما أبو برده (بن نيار) (6) وما يدري، وضرب أبو زعنة (7) أبا بردة ضربتين وما يشعر والتقت أسياف المسلمين على اليمان (حسيل بن جابر) وهم لا يعرفونه حين اختلطوا، وحذيفة يقول: أبي، أبي!! حتى قتل. فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم