قباء قريبا من عير ترعى عناك - فكانوا فيها حتى (1) صحوا وسمنوا - وكانوا استأذنوه أن يشربوا من ألبانها وأبوالها فأذن لهم - فغدوا على اللقاح فاستاقوها، فيدركهم يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه نفر فقاتلهم، فأخذوه فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وانطلقوا بالسرح. فأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها حتى تمر بيسار فتجده تحت شجرة، فلما رأته وما به رجعت إلى قومها فأخبرتهم، فخرجوا نحو يسار حتى جاءوا به إلى قباء ميتا.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري، فخرجوا في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرة، وأصبحوا لا يدرون أن يسلكون، فإذا هم بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها، فقالوا: ما هذا معك؟
قالت: مررت بقوم قد نحروا بعيرا فأعطوني هذا. ودلتهم على موضعهم فأتوهم.
فأحاطوا بهم وأسروهم جميعهم.
عقاب الأسرى وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة - وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغابة (2) - فأتوه بهم. فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسلم (3) أعينهم، وصلبوا بالزغابة.
النهي عن المثلة فنزلت هذه الآية: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (4) فلم تسمل بعد ذلك عين، ولا بعث صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بعثا إلا نهاهم عن المثلة. وروى جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده: لم يقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانا قط، ولم يسمل عينا ولم يزد على قطع اليد والرجل.