غدري حين بعثت معك بحديدة، وأنتم تريدون قتلي؟ فقالت ماوية: يا خبيب، إنما أمنتك بأمان الله، فقال: ما كنت لأقتله! ثم أخرجوه في الحديد إلى التنعيم (1) ومعه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة ومعه زيد بن الدثنة.
مقتل خبيب فصلى خبيب ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما - وكان أول من سن الركعتين عند القتل (2) - ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا. ثم أوثقوه رباطا وقالوا: ارجع عن الإسلام ونخلي سبيلك. فقال: لا إله إلا الله! والله ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعا!
قالوا: أفتحب أن محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ فقال: والله ما أحب أن يشاك محمد شوكة وأنا جالس في بيتي. فجعلوا يقولون: يا خبيب ارجع!
قال: لا أرجع أبدا. قالوا: أما واللات والعزى لئن لم تفعل لنقتلنك! قال: إن قتلي في الله لقليل (3)، فجعلوا وجهه من حيث جاء، فقال: ما صرفكم وجهي عن القبلة؟ ثم قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، اللهم ليس ها هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت عني السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو جالس مع أصحابه وقد أخذته غمية (4) -: وعليه السلام ورحمة الله، ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام. ثم أحضروا أبناء من قتل ببدر - وهم أربعون غلاما - فأعطوا كل غلام رمحا فطعنوه برماحهم، فاضطرب على الخشبة، وقد رفعوه إليها. وانفلت فصار (5) وجهه إلى الكعبة فقال: الحمد لله (6) فطعنه أبو سروعة - واسمه عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي - حتى أخرجها من ظهره، فمكث ساعة يوحد ويشهد أن محمدا رسول الله ثم مات رضي الله عنه، وتولى قتل زيد نسطاس، وقد روي أن غزوة الرجيع كانت قبل