بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، وصلى الله على نبينا محمد الذي من به على عباده المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وأرسله بالشرع العام، إلى جميع الأنام ليكون رحمة للعالمين، ونجاة لمن اتبعه من خزي الدنيا وليكون في الآخرة من الفائزين، فبلغ صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وأعد لجهاد أعداء الله تعالى الأسلحة والعتاد، وارتبط في سبيل الله عز وجل المسومة الجياد، لمحاربة من حاد الله ورسوله بنفسه تارة، وندب لهم آونة من صحابته من رضيه لذلك واختاره، حتى ظهر أمر الله وهم كارهون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل عليه من نبي كان يأكل الطيبات من الطعام، وينكح المبرءات من العيوب والآثام، ويستخدم الموالي من الأرقاء والأحرار، ويصرفهم في مهنته ومهماته الجليلات الأقدار، ويركب البغلة الراتعة ويلبس الحبرة والقباء (1)، ويمشي منتعلا وحافيا من مسجده إلى نحو قباء (2)، ويدخر لأهله مما أفاء الله عليه أقوات سنة كاملة، ويجعلها تحت أيديهم محرزة حاصلة، ويؤثر بقوته وثوبه أهل الحاجة والمساكين، ثقة منه بخير الرازقين، اللهم وابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون، وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومتبعيه إلى يوم الدين يا رب العالمين.
وبعد، فغير جميل بمن تصدر للتدريس والإفتاء، وجلس للحكم بين الناس وفصل القضاء، أن يجهل من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبه وجميل سيرته ورفيع منصبه، وما كان له من الأمور الذاتية والعرضية ما لا غنى (3) لمن صدقه وآمن به عن معرفته، ولا بد لكل من اتسم بالعلم من درايته، فقد أدركنا وعاصرنا وصحبنا ورأينا كثيرا منهم (وهم) (4) عن هذا النبأ العظيم معرضون، ولهذا النوع الشريف من العلم تاركون، وبه جاهلون، فجمعت في هذا المختصر من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة أرجو أن تكون إن شاء الله كافية، ولمن وفقه - سبحانه - من