المهاجرون: كلا! بل أنت أمير أصحابك، وهو أمير أصحابه. فقال: لا! أنتم مدد لنا. فقال أبو عبيدة - وكان حسن الخلق - انظرن يا عمرو! تعلمن أن آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك! فكان عمرو يصلي بالناس. وسار - وقد صار في خمسمائة - حتى وطئ بلاد بلي ودوخها، وكلما انتهى إلى موضع، بلغه أنه قد كان به جمع فلما سمعوا به تفرقوا. حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلى وعذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعا، فقاتلهم ساعة وهزمهم. وأقام أياما يبث سراياه، فيؤتى بالشاء والنعم فينحرون ويذبحون، ولم يكن في ذلك أكثر من هذا، ولم تكن غنائم تقسم.
خبر صاحب الجزور وخرج عوف بن مالك الأشجعي يوما في العسكر، فمر بقوم (1) قد عجزوا عن نحر جزورهم وعملها، فقال: أتعطوني عليها وأقسمها بينكم؟ فجعلوا له شعيرا منها، فنحرها. وجزأها بينهم، وأخذ جزءه وأتى به إلى أصحابه، فطبخوه وأكلوه، فلما فرغوا، قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. من أين لك هذا اللحم؟
فأخبرهما، فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا! ثم قاما يتقيآن، وفعل ذلك الجيش. وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لعوف: تعجلت أخرى! ثم أتى أبا عبيدة رضي الله عنه فقال له مثل ذلك.
صلاة عمرو بالناس بغير غسل واحتلم عمرو بن العاص رضي الله عنه في ليلة باردة كأشد ما يكون من البرد فقال لأصحابه: ما ترون؟ قد والله احتلمت، وإن اغتسلت مت! فدعا بماء فتوضأ وغسل فرجه وتيمم، ثم قام فصلى بهم. وبعث عوف بن مالك بريدا (2)، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: عوف بن مالك؟ قال: عوف بن مالك يا رسول الله! قال: صاحب الجزور! قال: نعم! قال: أخبرني! فأخبره بمسيرهم، وما كان بين أبي عبيدة وبين عمرو، ومطاوعة أبي عبيدة! ثم أخبره أن