معهما، وجعل المسلمون يسرون إلى أبي بصير، يا أبا بصير، أبشر! فإن الله جاعل لك مخرجا، والرجل يكون خيرا من ألف رجل، فافعل وافعل: يأمرونه بالذين معه فانتهيا به عند صلاة الظهر إلي ذي الحليفة. فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين صلاة المسافر. ومعه زاد له من تمر يحمله، ثم أكل منه ودعا العامري وصاحبه ليأكلا معه، فقدما سفرة فيها كسر وأكلوا جميعا.
قتله العامري وقد علق العامري سيفه في الجدار، وتحادثوا، فقال أبو بصير: يا أخا بني عامر! ما اسمك؟ قال: خنيس. قال: ابن من؟ قال: ابن جابر. قال: يا أبا جابر، أصارم سيفك هذا؟ قال: نعم! قال: ناولينه أنظر إليه إن شئت. فناوله، فأخذ أبو بصير بقائم السيف - والعامري ممسك بالجفن - فعلاه به حتى برد.
وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة، وأبو بصير في أثره فأعجزه، حتى سبقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله جالس في أصحابه بعد العصر، إذ طلع كوثر يعدو، فقال: هذا رجل قد رأى ذعرا! وأقبل حتى وقف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ويحك! مالك؟ قال: قتل صاحبكم صاحبي، وأفلت منه ولم أكد!.
مرجع أبي بصير إلى المدينة وأقبل أبو بصير فأناخ بعير العامري بباب المسجد، ودخل متوشحا سيفه، فقال: يا رسول الله! وفت ذمتك، وأدى الله عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، ويعبث بي أو أكذب بالحق. فقال عليه السلام:
ويل أمه محش جرب (1) لو كان معه رجال! وقدم سلب العامري ورحله وسيفه ليخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني إذا خمسته رأوا (2) أني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك. ثم قال: لكوثر: ترجع به إلى أصحابك؟ فقال: يا محمد! ما لي به قوة ولا يدان! فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بصير:
اذهب حيث شئت.