يا محمد، لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول الله! ما كنت صانعا حين يغشاك، فقد جاءك! وإن شئت عطف عليه بعضنا. فأبى صلى الله عليه وسلم، ودنا أبي، فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، (ويقال: من الزبير بن العوام)، ثم انتفض (بأصحابه) (1) كما ينتفض البعير، فتطاير عنه أصحابه - ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جد الجد - ثم أخذ الحربة فطعنه بها في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر! والله ما بك بأس، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره! فيقول: لا واللات والعزى، ولو كان هذا الذي بي بأهل (ذي) (1) المجاز لماتوا أجمعون! أليس قال: لأقتلنك؟
فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم أصحابه في الشعب. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: مات أبي بن خلف ببطن رابغ، فإني لأسير ببطن رابغ - بعد هوي (2) من الليل - إذا نار تأجج لي فهبتها، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول:
لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله، هذا أبي بن خلف. فقلت: ألا سحقا (3) ويقال: مات بسرف (4) ويقال: لما تناول النبي صلى الله عليه وسلم الحربة من الزبير حمل أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يحول بنفسه دون رسول الله، فضرب مصعب وجه أبي، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة بين سابغة البيضة والدروع فطعنه هناك، فوقع وهو يخور.
قتل عثمان بن عبد الله المخزومي وأقبل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي على فرس أبلق يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه لأمة (5) كاملة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجه إلى الشعب - وهو يصيح: لا نجوت إن نجوت! فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثر بعثمان فرسه في تلك