مقدمه إلى المدينة وكان المهاجرون قد استبطأوا قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ الأنصار مخرجه من مكة وقصده إياهم، وكانوا كل يوم يخرجون إلى الحرة ينتظرونه فإذا اشتد الحر عليهم رجعوا، فلما كان يوم الاثنين - الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من المبعث - وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حين اشتد الضحاء (1)، ونزل إلى جانب الحرة وقد عاد المهاجرون والأنصار بعد ما انتظروه على عادتهم.
فكان بين المبعث إلى أول يوم من المحرم الذي كانت الهجرة بعده اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوما، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من أول عام الفيل.
وقيل: قدم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول، وقيل: خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة منه حين اشتد الضحاء، وقيل: دخل لهلال ربيع الأول، وقيل: يوم الاثنين لليلتين خلتا منه، وقال ابن شهاب للنصف منه، وذلك سنة أربع وخمسين من عام الفيل، وهو اليوم العشرون من أيلول سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة للإسكندر الأكبر (وهو الرابع من تيرماه) (2).
عمره يوم بعثته وهجرته وقيل: أقام صلى الله عليه وسلم بمكة بعد المبعث عشر سنين، منها خمس سنين يخفي ما جاء به، وخمس سنين يعلن بالدعاء إلى الله تعالى. وقيل: بعث وله خمس وأربعون سنة فأقام بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا قول شاذ.
ولم يختلفوا أنه بعث على رأس أربعين سنة من عمره، وأنه أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين، وإنما اختلفوا في إقامته بمكة بعد ما أوحي إليه، وأصح ذلك ما رواه سعيد بن جبير، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة (3)، ووافق ذلك ما رواه علي بن الحسين عن أبيه عن علي مثل ذلك، فإن أصح ما قيل: أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.