الطلائع وبعث صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم هم: سليط (1) ونعمان ابنا سفيان بن خالد بن عوف بن دارم وآخر (من أسلم من بني عوير، لم يسم لنا) (2) فقتلوا، ومضى صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد. وكان عامة زادهم التمر. وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت الحمراء، وساق جزرا لينحر، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر في النهار فيجمع الحطب، فإذا أمسوا أمر أن توقد النيران، فيوقد كل رجل نارا، فقد أوقدوا خمسمائة نار حتى رؤيت من مكان بعيد. وذهب ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم في كل وجه، فكان ذلك مما كبت الله به عدوهم.
خبر معبد الخزاعي وانصراف المشركين ولقى معبد بن أبي معبد الخزاعي - (وهو يومئذ مشرك، وكانت خزاعة سلما للنبي صلى الله عليه وسلم) (3) - رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، لقد عز علينا ما أصابك في نفسك وما أصاب أصحابك، ولوددنا أن الله أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك، ثم مضى، فوجد أبا سفيان وقريشا بالروحاء وهم مجمعون على الرجوع:
فأخبرهم أن محمدا وقومه وأصحابه قد تركهم يتحرقون عليهم (4) مثل النيران، وأنهم في طلبهم، فانصرفوا سراعا خائفين من الطلب لهم. وبعث أبو سفيان مع نفر من عبد القيس مر بهم يريدون المدينة أن يعلموا (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أجمعوا الرجعة إليه، فلما بلغوه صلى الله عليه وسلم ذلك قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فنزل في ذلك قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (6)، وقوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) (7). وبعث معبد الخزاعي رجلا فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانصراف أبي