منه يا رسول الله، إن يك من الأوس آتيك برأسه، وإن يك من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك يمضي لك. فقام سعد بن عبادة - وقد غضب منه - فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر (1) على قتله. فقال أسيد بن حضير: كذبت، والله ليقتلنه وأنفك راغم. وكادت تكون فتنة، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأوس والخزرج أن اسكتوا، ونزل عن المنبر، فهدأهم وخفضهم حتى انصرفوا.
دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وحديثهما ودخل على عائشة - وقد مكث شهرا قبل ذلك لا يوحى إليه في شأنها - فتشهد ثم قال: أما بعد يا عائشة، فإنه بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة يبرئك الله، وإن كنت ألممت بشئ مما يقول الناس فاستغفري الله عز وجل، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. فقالت لأبيها: أجب عني رسول الله. قال: والله ما أدري ما أقول وما أجيب به عنك! فقالت لأمها: أجيبي عني. فقالت: والله ما أدري ما أجيب به. فقالت: إني والله قد علمت أنكم سمعتم بهذا الحديث، فوقع في أنفسكم فصدقتم به! فلئن قلت لكم إني بريئة (2) لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر يعلم الله أني منه بريئة لتصدقنني، وإني والله ما أجد لي مثلا إلا أبا يوسف إذ يقول: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) (3)، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر، والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا نعبد (4) الله، فيقال لنا في الإسلام! وأقبل عليها مغضبا فبكت.
نزول القرآن ببراءة عائشة فغشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغشاه وسجي (5) بثوبه، وجمعت وسادة من أدم تحت رأسه، ثم كشف عن وجهه وهو يضحك ويمسح جبينه وقال: يا عائشة، إن الله قد أنزل براءتك. فأنزل الله تعالى: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي