مقالة المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح وقال عمر ورجال معه: يا رسول الله! ألم تكن حدثتنا أنك تدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرف مع المعرفين؟ وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحن! فقال: قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا. فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنكم ستدخلونه، وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكة، وأعرف مع المعرفين، ثم أقبل على عمر رضي الله عنه وقال: أنسيتم يوم أحد، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر؟ أنسيتم يوم كذا؟ أنسيتم يوم كذا؟ والمسلمون يقولون: صدق الله ورسوله، يا نبي الله! ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولأنت أعلم بالله وبأمره منا.
فلما دخل صلى الله عليه وسلم عام القضية (1) وحلق رأسه قال: هذا الذي وعدتكم. فلما كان يوم الفتح، أخذ المفتاح وقال: ادعوا إلي عمر بن الخطاب! فقال: هذا الذي قلت لكم. فلما كان في حجة الوداع وقف بعرفة فقال: أي عمر! هذا الذي قلت لكم. قال: أي رسول الله! ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية.
فتح الحديبية وخبر أبي بكر وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: ما كان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبية، ولكن الناس يومئذ قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد. لقد نظرت إلى سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند النحر يقرب إلى رسول الله بدنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده! ودعا الحلاق فحلق رأسه، فأنظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه! وأذكر إباءه أن يقر يوم الحديبية بأن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم! وإباءه أن يكتب أن محمدا رسول الله! فحمدت الله الذي هداه للإسلام، فصلوات الله وبركاته على نبي الرحمة الذي هدانا به، وأنقذنا به من الهلكة.