رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنع في الحديد -، فأقبل أسيد بن حضير، وعيينة ماد رجليه، فقال له: يا عين الهجرس (1)، اقبض رجليك، أتمد رجليك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنفذت حضينك بالرمح! ثم قال:
يا رسول الله صلى الله عليك، إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، متى طمعتم بهذا منا؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما خفية، فقالا (2): إن كان هذا أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فسمع وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم. فقالا: يا رسول الله، والله إن كانوا ليأكلون العلهز (3) في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منا قط: أن يأخذوا ثمرة إلا بشراء أو قرى! فحين أتانا الله بك وأكرمنا بك، وهدانا بك، نعطي الدنية! لا نعطيهم أبدا إلا السيف. فقال صلى الله عليه وسلم: شق الكتاب. فشقه سعد، فقام عيينة والحارث، فقال صلى الله عليه وسلم: ارجعوا، بيننا السيف: رافعا صوته.
خبر نعيم بن مسعود الأشجعي في تخذيل الأحزاب وكان نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة الأشجعي صديقا لبني قريظة، وقدم مع قومه من الأحزاب حين أجدب الجناب (4) وهلك الخف والكراع (5)، فقذف الله في قلبه الإسلام. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فأسلم، فأمره أن يخذل الناس: وأذن له أن يقول (6). فتوجه إلى بني قريظة، وأشار عليهم ألا يقاتلوا مع قريش وغطفان حتى يأخذوا منهم رهنا من أشرافهم فقبلوا رأيه، واستكتمهم مجيئه إليهم، ثم جاء إلى أبي سفيان في رجال قريش، وأعلمهم أن قريظة قد ندمت على ما كان منها، وأنهم راسلوا محمدا بأنه يأخذون (7) من أشراف قريش وغطفان