دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحبس الهدي بذي طوى، ودخل عليه السلام مكة من الثنية (1) التي تطلع على الحجون، وقد ركب القصواء، وأصحابه حوله متوشحو السيوف يلبون، وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فلم يزل عليه السلام يلبي حتى استلم الركن. وقيل: لم يقطع التلبية حتى جاء عروش مكة.
طواف المسلمين بالكعبة وتحدثت قريش أن المسلمين في جهد، ووقفت منهم جماعات عند دار الندوة، فاضطبع (2) عليه السلام بردائه، وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم الله امرءا أراهم اليوم قوة! فلما انتهى إلى البيت - وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمامها، وقد صف له المسلمون - دنا من الركن فاستلمه بمحجنه (3) وهو مضطبع بثوبه، وهرول هو والمسلمون في الثلاثة الأشواط الأول، وكان ابن رواحة يرتجز (4) في طوافه، وهو آخذ بزمام الناقة، فقال عليه السلام: إيها (5) يا بن رواحة! قل: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده! فقالها الناس. فلما قضى طوافه خرج (6) إلى الصفا فسعى على راحلته، والمسلمون يسترونه من أهل مكة أن يرميه أحد منهم أو يصيبه بشئ.
نحر الهدي عند المروة ووقف عند فراغه قريبا من المروة - وقد وقف الهدي عندها - فقال: هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر. ونحر عند المروة. وكان قد اعتمر معه قوم لم يشهدوا الحديبية فلم ينحروا، وشركه في الهدي من شهد الحديبية، فمن وجد بدنة من الإبل نحرها، ومن لم يجد بدنة رخص له في البقرة، وكان قد قدم رجل ببقر فاشتراه الناس منه. وحلق عليه السلام عند المروة، حلقه معمر بن عبد الله