التوراة إنما بشرت بنبي واحد يأتي بعد موسى بصدق ما بين يديه من التوراة ويحكم بحكمها، ولا يخالفها البتة، وقبلتهم الطور الذي كلم الله تعالى عليه وموسى، وقالوا:
إن الله تعالى أمر داود أن يبني عليه بيت المقدس، فخالف وظلم فبناه بايليا.
وأما الصابئون فعن أبي علي (أنهم قوم من النصارى) وعن المبسوط (أن الصحيح خلافه، لأنهم يعبدون الكواكب) وعن التبيان ومجمع البيان (أنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية منهم، لأنهم ليسوا أهل الكتاب) وفي المحكي عن الخلاف (نقل الاجماع على أنه لا يجري على الصابئة حكم أهل الكتاب) وعن العين أن دينهم يشبه دين النصارى، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال نصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح، وقيل: قوم من أهل الكتاب يقرؤون الزبور، وقيل: بين اليهود والمجوس، وقيل: قوم يوحدون ولا يؤمنون برسول، وقيل: قوم يقرون بالله عز وجل ويعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور ويصلون إلى الكعبة، وقيل: قوم كانوا في زمن إبراهيم عليه السلام يقولون بأنا نحتاج في معرفة الله ومعرفة طاعته إلى متوسط روحاني لا جسماني، ثم لما لم يمكنهم الاقتصار على الروحانيات والتوسل بها فزعوا إلى الكواكب، فمنهم من عبد السيارات السبع، ومنهم من عبد الثوابت، ثم إن منهم من اعتقد الإلهية في الكواكب ومنهم من سماها ملائكة، ومنهم من تنزل عنها إلى الأصنام.
لكن في القواعد (الأصل في الباب أنهم، - أي السامرة والصابئين - إن كانوا إنما يخالفون القبيلتين في فروع الدين فهم منهم، وإن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم الحربيين) وفي كشف اللثام (بهذا يمكن الجمع بين القولين لجواز أن يعدوا منهم وإن خالفوهم ببعض الأصول، كما يعد كثير من الفرق من المسلمين مع المخالفة في الأصول، بل الأمر كذلك في غير الإمامية، وقد قيل: إنه لا كلام في عدهما من القبيلتين، وإنما الكلام في الأحكام).
قلت: لا ينبغي الكلام في الأحكام بعد فرض أنهم من القبيلتين، أي اليهود والنصارى، ضرورة تعليق الأحكام في النص والفتوى على المسمين بهذا الاسم الذي يشملهم أهل الكتاب، فمع فرض انتحالهم ملة موسى وعيسى والتوراة والإنجيل وركونهم إلى ما جاءا به جرت عليهم الأحكام، بل الظاهر عدم العبرة فيما بينهم من الاختلاف