فما عن المهذب والمختلف والإيضاح - من أنه ليس رجوعا لعدم الصراحة في إرادة ثلثه الراجع إليه، إذ هو ما دام حيا جميع المال في قبضته ومنسوب إليه، ولعله لذا توقف فيه في القواعد، بل ومحكي التحرير، وإن نسبه إلى علمائنا - ضعيف، ضرورة كفاية الظهور في الرجوع كالتصريح، لصلاحية كل منهما لقطع الاستصحاب و دعوى عدم الظهور أيضا كما ترى ضعيفة، ومع تسليمها فالأمر سهل، ضرورة رجوع النزاع إلى مفهوم عرفي يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.
وقد ظهر لك من ذلك أن موضوع المسألة الأولى التي قلنا يبدء بالأول فالأول فيها، تعدد الوصايا مع عدم التضاد بينها، وإن امتنع العمل بها جميعها، لقصور الثلث أو المال، بخلاف الثانية التي قلنا أن الثانية تكون رجوعا عن الأولى، فإن موضوعها المتضادان اللذان لا يمكن جمعهما في الخارج في حد ذاتهما، لا للقصور كما هو واضح.
من غير فرق بين كون الوصية بمقدار أو عين أو كسر، فإن المدار على ما ذكرنا من الحكم بالرجوع مع التضاد صريحا أو ظاهرا وعدمه مع عدمه.
ولعل هذا أولى مما في السرائر من تنقيح ذلك فإنه بعد أن ذكر أن للموصي الرجوع في وصيته ما دام حيا عاقلا قال متصلا بذلك - " وإذا أوصى الانسان بثلث ماله لشخص ثم بعد ذلك أوصى بثلث ماله لغير ذلك الشخص كان الثلث لمن أوصى له أخيرا، وكانت الوصية الأخيرة ناسخة للأولى ورافعة لحكمها، لأن الانسان لا يستحق من ماله بعد وفاته إلا ثلث ماله، فإذا أوصى به لانسان ثم أوصى به بعد ذلك لانسان آخر فقد نقل الثلث الذي يستحقه من الأول إلى الثاني، لأنه يعلم أنه لا يستحق إلا الثلث، فإذا أوصى به بعده فقد رجع عن الوصية الأولى، وللانسان أن يرجع عن وصيته ويبدلها ويغير أحكامها ما دام حيا ثابت العقل فليلحظ ذلك، فهذا قول أصحابنا، وما يوجد في الكتب أنه إذا أوصى للانسان بوصية ثم أوصى بأخرى فإن أمكن العمل بهما جميعا وجب العمل بهما، وإلا كان العمل على الأخيرة، دون الأولى، وأما إذا أوصى بشئ ولم يذكر الثلث، ثم أوصى بشئ آخر ولم يذكر الثلث، فإن مذهب أصحابنا