المنفعة، التي هي السكنى، والناس مسلطون على أموالهم وكون مورد العقد سكناه لا يقتضي اختصاص تمليكه بمباشرته، وإلا لاقتضى ذلك في الإجارة للسكنى، أو للركوب أو نحو ذلك مما كان المستأجر فيه موردا، لا شرطا، ودعوى ظهور عقد السكنى في ذلك ممنوعة كل المنع، وأولى بذلك عقد العمرى والرقبى، بل قد يقال: إن منافع الأعيان لا تتشخص بفعل المستوفى لها، ضرورة عدم كون فعله حينئذ من منافعها المملوكة له، و إنما الفعل مملوك لفاعله.
نعم قد يكون ذلك بطريق الاشتراط، كما في الإجارة، بل لو قلنا بالتشخص المزبور لم يتجه (الإ) رث في مورده، بل لم يتجه ذلك ملك الساكن الأجرة (بإذن المسكن) لأن سكنى الغير حينئذ ليس مما انتقل إليه فلا يملك أجرته، فليس حينئذ إلا دعوى أن الايجاب هنا قد تحمل تمليك السكنى، واشتراط كون الساكن هو المستوفى، وهي كما ترى لا يساعده عليها عرف، ولا شرع، إذ ليس الايجاب هنا إلا كغيره مما يراد منه نقل مورده إلى المخاطب، وليس هو هنا إلا منفعة الدار لا عمل الساكن، أي سكونه الذي هو ليس من منافع الدار.
وبذلك يظهر لك وجه النظر الذي ذكره في المسالك، فإنه بعد أن حكى عن ابن إدريس ما سمعته، والجواب عنه بمنع ملكه لها مطلقا بل على الوجه المخصوص فلا يتناوله غيره، قال: " وفيه نظر " بل ويظهر لك النظر في أصل استدلال المشهور، بأن الأصل عصمة مال الغير من التصرف بغير إذنه، خرج ذلك ما أذن فيه، وهو سكناه بنفسه، ومن في معناه، فيبقى الباقي على أصل المنع، ضرورة ابتناء ذلك على أن المفهوم من العاقد ذلك، وحينئذ يكون النزاع مع ابن إدريس فيما يفهم منه عرفا، فإن كان كما ذكره الشيخ وافقه ابن إدريس عليه، وإن كان العكس انعكس الحال، وقد سمعت من ابن إدريس أن مبنى منع الشيخ الخبر الذي أورده لا الفهم من عبارة العاقد، وبالجملة إن كلمات هؤلاء المتأخرين في غاية التشويش، لا يمكن الجمع بين تعليلهم المزبور وقولهم أن الأجر للساكن إذا أذن المالك وقولهم بإرث حق السكنى فيما إذا كان الغاية عمر المالك، وبين قولهم أنه ملك على وجه خاص.