المسألة (الثالثة: لو جنى العبد الموقوف عمدا، لزمه القصاص) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه لعموم أدلته على وجه لا تصلح أدلة الوقف لمعارضتها (فإن كانت دون النفس بقي الباقي وقفا)، للأصل، (وإن كانت نفسا اقتص منه، وبطل الوقف) حينئذ بانتفاء موضوعه، (وليس للمجني عليه استرقاقه) هنا كما هو ظاهر الأكثر، وإن جاز في غيره، لما فيه من ابطال الوقف الذي قد عرفت اقتضاء الصحيح منه بقاء العين على حالها حتى يرثها وارث السماوات والأرض.
لكن في جامع المقاصد والمسالك أن له ذلك، لأولويته من استحقاق الابطال بالقتل بعد مطلوبية العفو شرعا، بل فيه جمع بين ذلك، وبين حق المجني عليه، و التأبيد في الوقف إنما هو حيث لا يطرء عليه ما ينافيه، وهو موجود هنا في القتل الذي هو أقوى من الاسترقاق، وهو كما ترى بعد القطع بعدم الأولوية المزبورة، وحرمة القياس عندنا والتخيير الثابت للمجني عليه إنما هو في غير الفرض المعتذر فيه أحد الفردين، لظهور قوة أدلة الوقف على ذلك من وجوه بالنسبة إليه، دون القصاص الذي لا مدخلية له في تغيير الوقف المستفاد منعه من الأدلة الظاهرة في إرادة نقله عما هو عليه بالسبب الاختياري أو القهري، لا نحو ذلك الذي هو من قبيل حده بالارتداد ونحوه، ولذا يتعين حينئذ القصاص دونه.
(وإن كانت الجناية خطأ تعلقت بمال الموقوف عليه) وإن كان ذا كسب، كما عن الشيخ وجماعة، بناء على الانتقال إليهم (لتعذر استيفائها من رقبته) الموقوفة، لاقتضاء ذلك بطلان الوقف في الكل والبعض فيتعين عليه الفرد الآخر من التخيير، و هو الفداء كما تعين القصاص من الفردين في الأول.
(و) قيل: كما عن الشيخ أيضا (يتعلق) المال (بكسبه، لأن المولى لا يعقل عبده ولا يجوز اهدار الجناية، ولا طريق إلى عتقه فيتوقع) فيتعين ذلك جمعا بين الحقين (وهو) هنا (أشبه) عند المصنف وفاقا للقواعد وغيرها، بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه، وفيه أن كسبه أحد أموال المولى، فالتأدية منه يقتضى عقل المولى له، ولا دليل على اختصاص هذا المال من أمواله على أنه لا يتم في غير الكسوب.