إنما الكلام في قول المصنف ومن تأخر عنه هنا، (وكان القبض إلى الناظر في تلك المصلحة) الذي هو مبني على اعتبار القبض في الوقف مطلقا، حتى أنه في المسالك نفى الريب عنه، كما أن فيها وفي غيرها أيضا أنه إن كان لتلك المصلحة ناظر شرعي من قبل الواقف تولى القبض من غير اشتراط مراجعة الحاكم، لأن الناظر مقدم عليه، فإن لم يكن لها ناظر خاص فالقبض إلى الحاكم.
وإن كان قد يناقش بأن لا دليل على اقتضاء نظارته المستفادة من عموم " المؤمنون " ثبوت ولاية له على وجه يكون قبضه لما يوقف على الصرف فيها قبضا عن الموقوف عليه، اللهم إلا أن يقال: إن مشروعية نظارته تقتضي ذلك، أو يقال: إن الوقف إنما هو على المصلحة التي تحقق ولايته عليها باشتراط النظارة فيها، فيكون وليا لها بالنسبة إلى ذلك.
لكن فيه ما عرفت من أن الوقف في ذلك على المسلمين وإن صرف في المصلحة الخاصة لهم، لعدم قابلية الجهة للوقف عليها، وحينئذ فاشتراط نظارته فيها لا تقتضي الولاية على المسلمين على وجه يقوم قبضه ما يوقف لإرادة تعميرها ونحوه مقام قبضهم، فضلا عن أن يكون هو مقدما على الحاكم الذي هو الولي العام، ولعله لذا وغيره عبر في الرياض عن هذا الحكم بلفظ قالوا مشعرا بعدم الاذعان به.
(ولو وقف مسجدا صح الوقف، ولو صلى فيه واحد) بإذنه بنية أنه قبض له، بل حتى لو كان هو الواحد، (وكذا لو وقف مقبرة تصير وقفا بالدفن فيها ولو واحدا) كذلك لتحقق القبض حينئذ بذلك، ولعل دليله ما يقال: من الاجماع المستفاد من الإيضاح، وجامع المقاصد، وإن كنا لم نتحققه.
نعم ذكره غير واحد من الأصحاب ذكر المسلمات، فإن تم إجماعا وإلا فلا يخفى ما فيه من الاشكال، ضرورة أنه لا ولاية للفاعل على جميع الموقوف عليهم، حتى يكون القبض منه بالفعل المزبور قبضا عنهم، على أنه لم يعتبر أحد منهم في القبض وغيرهما انتفاع القابض بالموقوف فيما وقفه عليه واقفه، وإلا لاكتفى به في باقي الأوقاف العامة التي قد عرفت أنه لا بد من نصب قيم فيها، ودعوى الفرق بينهما - بأن الوقف فيها