تصحح ردة الصبي استحسانا. ومعلوم أن عند قيام دليل المعارضة يرجح الموجب للاسلام وإن كان هو أضعف كالمولود بين كافر ومسلمة، وكيف يستحسن الحكم بالردة مع بقاء دليل موجب الاسلام، فعرفنا أن القياس متروك أصلا في الموضع الذي يعمل فيه بالاستحسان، وإنما سميناهما تعارض الدليلين باعتبار أصل الوضع في كل واحد من النوعين، لا أن بينهما معارضة في موضع واحد. والدليل على أن المراد هذا ما قال في كتاب الطلاق:
إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق فقالت: قد حضت فكذبها الزوج فإنها لا تصدق في القياس باعتبار الظاهر وهو أن الحيض شرط الطلاق كدخولها الدار وكلامها زيدا، وفي الاستحسان تطلق، لان الحيض شئ في باطنها لا يقف عليه غيرها فلا بد من قبول قولها فيه بمنزلة المحبة والبغض. قال: وقد يدخل في هذا الاستحسان بعض القياس يعني به أن في سائر الأحكام المتعلقة بالحيض قبلنا قولها نحو حرمة الوطئ وانقضاء العدة، فاعتبار هذا الحكم بسائر الاحكام نوع قياس، ثم ترك القياس الأول أصلا لقوة دليل الاستحسان، وهو أنها مأمورة بالاخبار عما في رحمها منهية عن الكتمان، قال تعالى: * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) * ومن ضرورة النهي عن الكتمان كونها أمينة في الاظهار، وإليه أشار أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: من الأمانة أن تؤتمن المرأة على ما في رحمها. فصار ذلك القياس متروكا باعتراض هذا الدليل القوي الموجب للعمل به.
فالحاصل: أن ترك القياس يكون بالنص تارة، وبالاجماع أخرى، وبالضرورة أخرى. فأما تركه بالنص فهو فيما أشار إليه أبو حنيفة رحمه الله في أكل الناسي للصوم: لولا قول الناس لقلت يقضي. يعني به رواية الأثر عن رسول الله (ص)، وهو نص يجب العمل به بعد ثبوته واعتقاد البطلان في كل قياس يخالفه. وهذا اللفظ نظير ما قال عمر رضي الله عنه في قصة الجنين: لقد كدنا أن نعمل برأينا فيما فيه أثر.