إلا متأخرا. وبهذه العلامة يظهر الفرق بينهما، فأما أن يكون النسخ غير البيان فلا.
فإن قيل: الحكم الثابت بالسنة يضاف إلى رسول الله (ص) فيقال إنه سنته، وما يكون طريقه الوحي فهو مضاف إلى الله تعالى كالثابت بالوحي المتلو، ففي إضافته إلى رسول الله دليل على أنه ليس ببيان لما هو المنزل بطريق الوحي. وإذا تقرر هذا فنقول: في النسخ بيان انتهاء مدة كون الحكم حسنا عند الله تعالى وذلك مما لا يمكن معرفته إلا بوحي من الله، فكيف يجوز إثبات نسخ الكتاب بالسنة؟ قلنا: قد بينا أن ما بينه رسول الله (ص) فإنما يبينه عن وحي، والإضافة إلى رسول الله (ص) لان العبارة في ذلك له، فمن هذا الوجه يقال إنه سنته. فأما حقيقة الحكم من الله تعالى وقف عليه رسول الله بطريق الوحي ثم بينه للناس. وبهذا يتبين أنه ما عرف انتهاء مدة الحسن في ذلك الحكم إلا بوحي من الله تعالى، وما هو إلا نظير بيان رسول الله (ص) مدة الحياة لحي قد أحياه الله تعالى، فإن أحدا لا يظن أنه بين ذلك من غير طريق الوحي، وما كانت الإضافة إليه إلا نظير قوله تعالى: * (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون؟) * فإن إضافة الامناء إلى العباد لا يمنع القول بأن الشخص مخلوق خلقه الله تعالى، فكذلك إضافة السنة إلى رسول الله (ص) بطريق أنه ظهر لنا بعبارته لا يكون دليلا على أن الحكم غير ثابت بطريق الوحي من الله تعالى، وكما أن الكتاب والسنة كل واحد منهما حجة موجبة للعلم فآيات الكتاب كلها حجة موجبة للعلم. ثم القول بجواز نسخ الكتاب بالكتاب لا يؤدي إلى القول بالتناقض في الحجة فكذلك في السنن، فإن جواز نسخ السنة بالسنة لا يؤدي إلى التناقض وتطرق الطاعنين إلى الطعن في رسول الله (ص)، فكذلك جواز نسخ الكتاب بالسنة لا يؤدي إلى ذلك بل يؤدي ذلك إلى تعظيم رسول الله (ص)، وإلى قرب منزلته من حيث إن الله تعالى فوض بيان الحكم الذي هو وحي في الأصل إليه ليبينه بعبارته، وجعل لعبارته من الدرجة ما يثبت به مدة الحكم الذي هو ثابت بوحي متلو حتى